«الناصر صلاح الدين»
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
كل هذه العوامل لم تمنح للفيلم، الذي قيل إن منتجته رصدت له موازنة قُدرت بمئتي ألف جنيه بمقاييس تلك الحقبة، النجاح المتوقع، بل حقق فشلاً ذريعاً، رغم تناوله الحروب الصليبية، وسعيه إلى تأكيد عروبة القدس، وقدسيتها التي لا يختلف عليها أهل الأديان جميعاً. فالانتقادات طاولت الفيلم، وانصب معظمها على احتوائه كثير من المغالطات التي خصمت من مصداقيته، كالقول إن والي عكا، الذي جسد دوره توفيق الدقن، خان العرب، وصلاح الدين، بينما قال الباحثون إنه استمات في الدفاع عن عكا طوال عامين حوصرت خلالها بواسطة الصليبيين. وفيما نشأ الجمهور العربي، وتعلق، بشخصية عيسى العوام، بوصفه المسيحي الذي قاتل الصليبيين، كشف القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» أن عيسى العوام لم يكن نصرانياً، وإنما غواصاً مسلماً حارب ضد الصليبيين، وغرق على شواطئ عكا عام 379 م!كيف ارتكب الفيلم، بما يضمه من كتاب كبار على شاكلة: يوسف السباعي، نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي،أخطاء ساذجة كهذه، بل كيف يستقيم أن يقول صلاح ذو الفقار في أحد مشاهد الفيلم: «عيني تعبت من التغميض»، في حين اهتم الفيلم كثيراً بما قيل عن تجميل صورة العدو ريتشارد قلب الأسد، الذي قيل إنه استبقى 2700 أسير كرهائن لضمان الوفاء بجميع شروط الاستسلام، لكنه أمر بقتلهم قبل أن تتحرك قواته من عكا؟ وهل كان «الناصر صلاح الدين» بمثابة الإرهاصة في التكوين السياسي ليوسف شاهين، وميله إلى تكريس قيم الإخاء ودعوته إلى التسامح وقبول الآخر؟لقد عاب المؤرخون والباحثون على الفيلم إطلاق اسم «أورشليم» بدلاً من «بيت المقدس»، وفي ظني أن الهجوم ينطلق عن وجهة نظر دينية متطرفة، فاسم «أورشليم» محفور في نقش مصري يرجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. أما القول بأن الفيلم احتوى على شخصيات خيالية، مثل فيرجينيا ولويزا، بالإضافة إلى أحداث تاريخية لم ترد في كتب التاريخ، كالعلاقة بين «عيسى» و»لويزا}، والمبارزة بين صلاح الدين الأيوبي وأمير الكرك، فضلاً عن إصابة «ريتشارد» بسهم عربي مسموم، بتدبير من الدوق آرثر، فالخيال السينمائي يحتمل أن تتضمن المعالجة إضافات وتغييرات، كما أن المراقب لشخصية «عيسى العوام» يُدرك أن ثمة رسالة من وراء اختيار شخص مسيحي ليحارب في صفوف العرب ضد الصليبيين، وهو ما أكده الحوار بينه ولويزا، التي تسأله: «مسيحي وتحارب معهم؟» فيجيبها: «معهم؟ هم أهلي وأخوتي أنا عربي»، ولما تسأله مستنكرة: «وإخوانك في الصليب» يعلق قائلاً:»مستحيل أن يعترف مسيحي مخلص بأخوة غرباء استخدموا الصليب كقناع لغزو بلاده»، لكني تمنيت لو كانت الشخصية من وحي الخيال، ولا علاقة لها بفقيه معروف!