ربما لم يكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي عاد في زيارة جديدة للمنطقة، ونزل أهلاً ووطئ سهلاً، دقيقاً بل متفائل أكثر من اللزوم عندما أطلق قبل أيام قليلة تصريحات متفائلة، تحدث فيها عن أن الأزمة السورية ستدخل مساراً للحل خلال أسابيع، وبالطبع فإن هناك من "تمهزأ" عليه وقال إنه يقصد في غضون ألف أسبوع أو أكثر، وإن الأسابيع الأميركية تختلف عن أسابيع الآخرين بأن الأسبوع الواحد يساوي سنة كاملة، وربما عقداً من الأعوام بطوله وعرضه.

Ad

غير معروف ما الذي اعتمد عليه كيري حتى أطلق هذه التصريحات، وكل هذا وهو يعرف أن ما بعد "فيينا 4" أسوأ كثيراً مما قبله، وأن الروس تأكيداً على أن القرار في سورية هو قرارهم، وليس قرار الإيرانيين أو بشار الأسد، وبالطبع ليس قرار حسن نصر الله، قد طلبوا من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إن أراد المشاركة في عمليات القصف الجوي ضد "داعش"، أن ينسق معهم مسبقاً، وألا يعمل بمفرده أو بالتنسيق مع آخرين!!

كيف يمكن الركون إلى تصريحات كيري الغارقة في التفاؤل حتى آذانها، بينما أعلن بشار الأسد بعد هذه التصريحات مباشرة أنه لا حل سياسياً قبل "سيطرته" الكاملة، ومن "خلال الجيش العربي السوري"، على كل الأراضي السورية، وبينما عقدة بقائه أو رحيله لا تزال على ما هي عليه، وبينما لا الروس ولا الإيرانيون غيروا مواقفهم، ولو بمقدار قيد أنملة، كما يقال، بالنسبة لهذه المسألة العقبة الكأداء بالنسبة للأزمة السورية.

هناك الآن معلومات مؤكدة عن أن المنطقة الآمنة على الحدود السورية - التركية ستتم خلال أيام قليلة، وهناك الآن اجتماع المعارضة الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية بات في حكم المؤكد، والمعروف أن السعودية لاتزال عند مواقفها السابقة واللاحقة، وتصر على أنه لا مكان لهذا الرئيس السوري لا في حاضر سورية ولا في مستقبلها... لا في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها ولا بعدها.

ثم كيف يمكن أن نثق بتصريحات جون كيري آنفة الذكر، ونصدقها ونطمئن إليها، بينما لم يتم حتى الآن تحديد التنظيمات الإرهابية، غير "داعش"، والتنظيمات غير الإرهابية، وهنا فإنني أسمح لنفسي بأن أبدي قلقاً وخشية من هذه "المهمة" التي كلف بها الأردن، والتي قد تقحمه في صراعات ومواجهات مع بعض أطراف المعارضة السورية، هو في غنى عنها، ومن المفترض أن تتحملها كل الدول المعنية بهذه الأزمة، التي غدت أزمة عربية وإقليمية ودولية.

وهكذا وفي النهاية، فإنه لا يجوز الحديث ولو عن مجرد بصيص ضوء من التفاؤل، مادامت الأزمة ازدادت تعقيداً بعد الجرائم الأخيرة التي ارتكبها "داعش"، ومادام الجدل لايزال محتدماً عما إذا كانت الأولوية لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي أم للتخلص أولاً من نظام بشار الأسد، الذي هو وليس غيره أساس هذه المشكلة التي غدت تشغل العالم كله.