سبع سنوات هي مدة غياب الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش عن دنيانا بعدما أثرى الأدب العربي بكتاباته ونصوصه... لكن يبقى سؤال مهم لماذا انحصر الشاعر في محيطه العربي وعجز عن وصول أشعاره إلى العالم الخارجي رغم موهبته وإبداعه وتعبيره عن قضية عربية عادلة.

Ad

توجهنا بالسؤال إلى عدد من المثقفين والشعراء المصريين، بحثاً عن الرجل الذي ساهم في تغيير شكل القصيدة العربية، لكنه لم يستطع أن يصل إلى العالم الغربي كما يستحق، ربما بسبب لغته وربما بسبب حصار عدوه لأشعاره، وربما لأسباب أخرى.

يعتبر الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد أن محمود درويش أحد أهم  الأصوات الشعرية في العالم العربي التي أضافت أبعاداً إنسانية إلى النصوص العربية، مؤكداً أن الشعراء يموتون بجسدهم فقط لكن تبقى روحهم وإبداعاتهم، موضحاً: {أتذكر محمود درويش طوال العام وليس في ذكرى ميلاده أو وفاته فقط» قائلاً له: «كل سنة وأنت طيب... نحن لن ننساك ولا نحتاج إلى يوم لنذكرك فنحن نذكرك كل يوم وكل ساعة وكل لحظة}.

زين العابدين فؤاد قال: {محمود درويش قامة أدبية كبرى وعظيمة وكل شطر كتبه يعيش أعواماً طويلة نتذكره بها}، مؤكداً أن نصوصه كانت مختلفة تماماً عما عهدناه من الشعر عن فلسطين والأراضي العربية المحتلة، مؤكداً أن الراحل كان شاعراً مثقفاً نسج لنا القضية الفلسطينية في نصوص شعرية بديعة بعدما قدمها بشكل مختلف}.

أما الشاعر بهاء جاهين فقد أكد أن لغة الضاد ليست عالمية ومع ذلك وصل درويش إلى العالمية مثلها تماماً فهو أحد أكثر الشعراء العرب في العصر الحديث شهرة في الخارج، مشيراً إلى أن الصهيونية ساهمت أيضاً بشكل أو بآخر في بقاء درويش داخل محيطه العربي.

جاهين أوضح أنه ما دامت اللغة العربية غير عالمية فإن الأدب المكتوب بها غير عالمي أيضاً، متهماً الأجيال الحالية بأنها السبب في ما وصلنا إليه، قائلاً: {لسنا صانعي الحضارة خلال العصر الحديث}. وأوضح أنه خلال الألف سنة لم يكن العرب مهيمنين أو مسيطرين بل ذهبت سيطرة الحضارة إلى أوروبا.

من ناحيته، يرى منسق عام مؤتمر قصيدة النثر المصرية الشاعر عادل جلال أن عدم وصول أشعار محمود درويش إلى العالمية جاء متعمداً وبفعل فاعل، خصوصاً أنه يحمل الجنسية الفلسطينية، موضحاً أن هذا التعتيم ظهر جلياً من خلال الضغط على دور النشر الكبرى على مستوى العالم لعدم ترجمة وطباعة أعماله ورغم ذلك ترجمت أعمال كثيرة للشاعر الراحل العظيم.

يستكمل جلال كلامه: {لم يحصل درويش على جوائز ذات طبيعة عالمية أيضاً لأنه كان يعني القضية، والقضية كانت تعني كل فلسطيني}، مشيراً إلى أن الدول الكبرى سيطرت على المحافل الأدبية الدولية بشكل متعمد كي لا يتم إعطاء الأدباء العرب جوائز فلا يعلو صوتهم ويطالبون في يوم ما بحق الفلسطينيين في أراضيهم.

أكَّد جلال أن كثيراً من العلماء في العالم العربي يتم حصارهم أيضاً وتضييق الخناق عليهم لتغييبهم عالميا،ً ومن ناحية أخرى يتم حرمان بلادهم من هذه العقليات مثلما حدث في اغتيال المشد وعدد كبير من العلماء العراقيين، مشيراً إلى أن درويش استطاع الإفلات نوعاً ما من هذا التضييق بحكم موهبته الجبارة لكن لم يصل إلى الدرجة التي يستحقها عالمياً.

من جانبه، يرى الناقد الأدبي أحمد سراج أن محمود درويش كان يخشى طوال عمره من حصاره في محيطه العربي أو أن يتم اختصاره في القضية العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، ومع ذلك كان يركز في نصوصه نحو هذه القضية التي جعلها قضية إنسانية، ما ساهم في تقديم نصوصه إلى العالم العربي بشكل جيد لكنه صنع فجوة كبيرة بينه وبين العالم الخارجي.

أضاف سراج أن النص الأدبي العربي لن يلقى القبول العالمي ما دامت الترجمة غير متوافرة بشكل منظم في بلادنا، وهذه المعاناة لم يعانها درويش بمفرده، بل عاش معظم الكتاب العرب  هذه التجارب، مشيراً إلى أننا لا نملك حركة نقدية محددة نستطيع من خلالها توجيه النص، مؤكداً أن ثمة حالات فردية في السياق متسائلاً: {أين علاء الأسواني من الحركة النقدية العالمية بعدما باع أكثر من مليون نسخة}.

يستكمل سراج كلامه: {غالبية الدراسات حول الأدباء العرب الكبار  في مكتبات أصحابها ولم تر النور، وهو سبب رئيس في عدم وصول أدبنا إلى الخارج}، موضحاً أن الغرب يهتم بالتفاصيل كافة لدرجة أن الشاعر المصري رفعت سلام عندما ذهب لترجمة أشعار {رامبو}  تسلَّم كراسات المطالعة التي كان يكتبها رامبو أثناء تعليمه المدرسي أما نحن فلا نملك كل أعمال محمود درويش، أو مقالاته كافة التي نشرها في الصحف، وهذه آفتنا}.

يُذكر أن الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، المولود في البروه فلسطين المحتلة (13 مارس 1941 13- أغسطس 2012)، أحد أهم الشعراء في العالم العربي الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، واعتبر أحد أبرز من ساهم في تطوير الشعر العربي الحديث ومزج فكرة الحبيبة بالوطن.