بعد أن انتفضت أوروبا (بفضل من الله) وبقيادة ألمانيا لإيواء النازحين السوريين وإطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف، وهم يفرون من جحيم أوضاعهم في سورية المشتعلة والعالم العربي المنكوب، جاءت عصابة "داعش" الإرهابية لتكافئ أوروبا على فزعتها الإنسانية بهجمات فرنسا الوحشية يوم الجمعة 13 نوفمبر.
حالة الفوضى التي أحدثتها ولاتزال تحدثها عصابات الإرهاب عالمياً، لا تقف فحسب عند حدود العنف الدموي وحز الرقاب وإحراق الأحياء وإزهاق الأرواح البريئة، بل تتعداها إلى إشعال الاصطدام بالأديان والحضارات الأخرى تحت لافتات دينية، قوامها "اسم الله سبحانه ورسوله الأعظم"، وواجهتها "القرآن الكريم"، وتوقيتها "يوم الجمعة" المبارك عند المسلمين موعداً للقتل والإرهاب الدموي، إمعاناً بالإساءة ودق الإسفين بين الإسلام والأمم الأخرى!إنه واقع مأسوي وفي الوقت نفسه غير مفهوم! ذلك الذي تستولي فيه العصابات على دول أو أجزاء منها، وتتاجر بنفطها ومواردها لتمويل متطلبات إدارتها لبقعها المحتلة، وتستنفر جيوش العالم لتخوض معها غمار حروب عصابات طويلة المدى وباهظة التكاليف، وتَشْغُل الأمم المتحدة والدول العظمى والمتوسطة والصغرى عن مهامها الإنسانية، لتنصرف بكل ما تملكه من قوات مسلحة وقدرات ذكية فتاكة ومخابراتية شرسة إلى حروب ضد تلك العصابات، تتعثر جميعها في المواجهة، حيث تجد نفسها تتعامل مع مجاميع كالتكوينات السرطانية في الأجساد المريضة التي لا ينفع للقضاء عليها أمصال أو أشعات، فتتوالد هنا وتنتشر هناك وتفتك بمصابيها، من دون أن تقوى كتائب الأطباء على استئصالها!تجسدت هذه الملهاة العبثية في صراع العصابات مع الدولة بتنظيم أو عصابة "القاعدة" وامتداداتها الأخطبوطية في العالم ومواجهاتها عبر خلاياها النائمة مع مختلف الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها بكل سطوة هذه الدول وجبروتها، وأخيراً تنظيم أو عصابة "داعش"، ذلك اللغز العصي على الفهم والتفسير، والذي ائتلف لمحاربته أعتى تحالف دولي دون أن يحقق عليه انتصاراً ناجزاً!! لا تزال أنوف هذين التنظيمين طافية فوق سطح الماء مواصلة التنفس، ولم تتمكن جميع الحروب التي شُنت عليهما من إغراقهما وتدميرهما، فضلاً عن فشل الدول العظمى والصغرى في تطويق أخطارهما، وتجنب تكرار أعمالهما الإرهابية المباغتة في كل مكان من العالم، وهي لاتزال مستمرة في غرس كل أشكال الكراهية بين العرب والمسلمين والأمم الأخرى بنهج متصاعد ومدمر، ولاتزال تتحدى الجميع وتضرب كيفما شاءت، مختارة الأزمنة والأمكنة غرباً وشرقاً لأعمالها الإرهابية، وهي واثقة بفشل محاولات إبادتها!إنه مشهد مؤلم يسود عالمنا اليوم، ويطرح التساؤلات الكبيرة الحائرة:هل يعقل أن تستمر تلك المهزلة المشينة بسيطرة العصابات الإرهابية على الأحداث في دولنا العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع، وتوجيهها نحو أجنداتها وأهدافها الشريرة، وتدمير جسور التسامح والتواصل بين الغرب والمسلمين، بل وبين أبناء الدين الإسلامي الواحد، من دون أن يقوى أي طرف على ردعها؟!إلى متى تستمر تلك الحال؟ من يقف وراءها؟ وما هو الحبل السري المتصل بجسد تلك العصابات ليمدها بسبل الحياة؟ ومن يشتري منها بضائعها، خاصة النفطية؟ ومن يبيعها السلاح وأجهزة الدمار؟أسئلة معلقة حول ظاهرة سيطرت على العالم كله، الذي أصبح أقل أمناً، بعد أن غدا هدفًا مفتوحاً أمام عصابات سرطانية التكوين وشديدة القدرة على المقاومة والاستمرار المرضي اللعين!! وربما يكون رد الفعل الأممي الأخير على إرهاب باريس كفيلا بالإجابة عن تلك التساؤلات وطي هذه الصفحة البغيضة من التاريخ الإنساني.
أخر كلام
6/6 : عصابات ودول
24-11-2015