منع الاختلاط في الجامعة!
قبل كل شيء كيف، ولماذا يسمى التعليم المشترك للبنات والأولاد اختلاطاً؟ ويصر البعض على مصطلح "الاختلاط" ليوحي بالموضوع الجنسي، وبأن ذلك غير جائز شرعاً! ولا يتماشى كما يرون مع العادات والتقاليد! إن ما يسمى بالاختلاط بين الجنسين في الجامعة هو تعليم مشترك، وإن التجربة أثبتت أنه لم تقع أي مشكلات داخل القاعة الدراسية أو خارجها بين البنات والأولاد بالشكل الذي يفكر فيه الذين في عقولهم وأنفسهم مرض، فهو حرم جامعي للتعليم والعلاقات العلمية، وتكاد تكون مثالية.لقد كان التعليم في جامعة الكويت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين مشتركا (مختلطاً)، ولم نسمع عن أي مشاكل، ومع تصاعد المد الديني السياسي منذ بداية الثمانينيات لا بل من نهاية السبعينيات من القرن العشرين بدأت تثار هذه المشكلة عندما بدأ ذلك التيار تحت مظلة، العادات والتقاليد يثير توجهاته، ويحاول بشتى الطرق فرضها حتى صدر القانون بمنع ما يسمى بالاختلاط في الجامعة، وقد يكون هو القانون الوحيد في الجامعات!
ونحن هنا نود أن نثير بعض الأسئلة حول الموضوع: هل تطبيق ذلك يعني أن تكون الجامعة جامعتين بمنشآتها ومعاملها؟ وهل ذلك المنع يقتصر على قاعات المحاضرات أم في الجامعة كلها؟ وهل سيسير المنع على الدكاترة الذكور في تدريس البنات؟ وماذا عن ذلك الاختلاط بين موظفي الجامعة وعددهم بالآلاف؟ثم لماذا درس بعض أولئك الذين يثيرون هذا الموضوع ويتمسكون به في جامعات أميركية وأوروبية مختلطة، لا بل إن بعض أبنائهم يدرسون في تلك الجامعات؟ إن تجربتنا التى تزيد على ثلاثة عقود تؤكد أننا لم نشهد أو نسمع أو نرى أموراً غير أخلاقية في العملية التعليمية، وأن العلاقة كانت ولا تزال ممتازة، وهذه شهادة من قبلنا، وعلى العكس من ذلك يتمتع شبابنا وشاباتنا بأخلاق عالية وتصرفات سليمة داخل الحرم الجامعي.والسؤال الذي يستحق أن يثار هنا هو: لماذا يتغلب التيار اللاعقلاني على العقلانية والعلمية، ونتراجع في حين سنة الحياة هي التطور والتقدم؟! ثم هل يستقيم ذلك المنطق الذي ينادي به البعض مع النهضة والتطور؟! ويحلو للبعض القول إن بعض الدول المتقدمة فيها كليات أو جامعات غير مختلطة، ونحن نسأل بدورنا لماذا لم يختر بعض أولئك جامعات غير مختلطة أثناء دراستهم في تلك الدول؟! إنه لأمر محزن ومؤلم أن نسمع عن ذلك الأمر في عصرنا، وأين أولئك المنادون بمنع الاختلاط في الجامعة قبل عشرات السنين فقط، الآن استيقظوا من سباتهم، واكتشفوا ذلك؟ وقد سبقهم أناس نادوا بتحريم التعليم للبنات قبل ذلك وفشلوا في وقف المسيرة.لقد وقف بعض أفراد من ذلك التيار ضد الحقوق السياسية للمرأة، وبعد أن أقر قانون الحقوق السياسية للمرأة في الكويت وهم معارضون له قاموا بتشكيل اللجان الانتخابية النسائية لكسب أصوات النساء، وعندما نجحت بعض المرشحات في مجلس الأمة استمروا أعضاء بالمجلس ولم ينسحبوا أو يقدموا استقالاتهم!المشكلة تكمن أولاً في الجانب السياسي الذي يجامل ويخضع لضغوط هذا التيار، وكذلك في المنافقين غير المقتنعين بطرح ومنع التعليم المشترك، لكنهم يؤيدون أو لا يعترضون عليه! نقول إنه لمعيب أن يثار مثل هذا الموضوع بعد هذا التطور الذي وصلت إليه مجتمعاتنا، ونسأل في آخر المطاف لماذا لم يقترحوا جامعة للبنات ويرسلوا بناتهم إليها ويتركوا الحرية للناس في التعليم المشترك؟ولم نطرح مسألة أن تكاليف تطبيق ذلك القانون غير العصري المادية مضاعفة على ميزانية البلد حتى لا يخرج علينا البعض للقول إن القيم والإخلاق أهم من المادة.إن موضوع التعليم المشترك (الاختلاط) في الجامعة موضوع جامعي، وكذلك يهم أولياء أمور طلبة الجامعة، وكان الأجدر والأفضل أن تقول الجامعة رأيها فيه من الجانب الأكاديمي والمالي والمكاني والإداري كذلك الرأي الطلابي، وجمعية هيئة التدريس في الجامعة، أما أن تنفرد بالرأي في الموضوع جماعة دينية سياسية فهذا يجعل القانون غير شرعي على الرغم من شرعيته، وأن الجانب الانتخابي ونفوذ جماعات الإسلام السياسي في الجامعة وخارجها قد لعب دورا في إقراره في فترة زمنية كانت الهيمنة فيها لتلك الجماعات وذلك التيار.علينا أن نهذب ألفاظنا، ولا نسمح بإطلاق مصطلحات تسيء إلى شرائح مجتمعية مثل طلبة الجامعة، فهذا الذي يسمونه "الاختلاط" هو تعليم مشترك للأبناء بنات وبنين، وعليهم أن يكافحوا لإعادة النظر في هذا القانون، والخطوة الرئيسة في ذلك الاتجاه هي دور الطلبة في الانتخابات النيابية القادمة لكي ينجح المستنيرون في المجتمع ليواجهوا ويعدلوا القوانين التي فرضت مثل قانون منع (الاختلاط) في الجامعة، وأملنا كبير في أن يتغلب العقل على العاطفة، ويمنع استغلال ذلك في وقت تجاوزت فيه الشعوب هذا الفصل في التعليم العالي مع احترامنا وتقديرنا للقضاء.