لوبان تفتقر إلى استراتيجية ناجحة

نشر في 14-12-2015
آخر تحديث 14-12-2015 | 00:01
سيفوز في الانتخابات الفرنسية القادة الذين يحملون شعار الوحدة، في حين أن دعاة التجزئة سيخسرون كما حصل في انتخابات سابقة، وقد أدرك جورج بوش الابن هذا الواقع جيداً حين لعب دوره الشهير «كموحد لا مقسم» خلال حملته الرئاسية الأولى، وإن التعويل على الناخبين الذين يؤيدون لوبان أساساً فقط لا يساعدها في الفوز في الانتخابات.
 ريل كلير لن تحدد الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2017 مصير الرئيس فرانسوا هولاند وتوجه الدولة الفرنسية فقط، بل قد تحدد مصير أوروبا، فبما أن فرنسا تشكل إحدى الدعائم الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، يكون لمن يقودها تأثير كبير في مستقبل أوروبا الموحدة، صحيح أن الجولة الأولى من الانتخابات المحلية سددت ضربة إلى هولاند، ولكن من الغباء أن نفترض أن الأمر قد حُسم بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي عام 2017.

بعد إحصاء أصوات الجولة الأولى، اتضح أن الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان قد حققت مكاسب كبيرة، والجولة الثانية من الاقتراع تمت في الثالث عشر من ديسمبر، فحل في الجولة الأولى الجمهوريون (الحزب اليميني الوسطي بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي) في المرتبة الثانية، في حين مُني الاشتراكيون بقيادة الرئيس الحالي فرانسوا هولاند بخسارة كبيرة.

صحيح أن الكثير من الناخبين اليساريين يفضلون قطع يدهم على استخدامها للتصويت لحزب ساركوزي، ولكن من المتوقع أن يقدِم بعضهم على هذه الخطوة بغية التصدي للجبهة الوطنية، وقد يكون هذا كافياً لإمالة كفة الميزان في بعض المناطق.

كان الإقبال على صناديق الاقتراع ضئيلاً، شاملاً نحو 50% فقط من الناخبين، أي أدنى بما يُقارب الثلاثين في المئة مما سُجل خلال الانتخابات الرئاسية، ولا نبالغ إن افترضنا أن بعض اليساريين واليمينيين المعتدلين الذين لم يشاركوا خلال الجولة الأولى قد يتهافتون على الصناديق خلال الجولة الثانية للإطاحة بلوبان.

لكن انتصار لوبان في السادس من ديسمبر، مهما توقعته استطلاعات الرأي، لا يعني أن فرنسا تبدلت بين ليلة وضحاها، وأن على أوروبا أن تخشى اليوم أن تنطفئ الأنوار في إحدى أهم مناراتها.

صحيح أن الجبهة الوطنية حققت مكاسب كبيرة مع برنامجها المناهض للاتحاد الأوروبي، إلا أن من الخطأ الاعتقاد أن معظم الفرنسيين يريدون التخلي عن عملة اليورو أو حتى الاتحاد الأوروبي.

تُظهر الأبحاث أن الاتحاد الأوروبي يحظى بالدعم في فرنسا، فمعظم الفرنسيين من مؤيديه المعتدلين، لكن ما تبدل على الأرجح أن الاتحاد الأوروبي ما عاد يُعتبر محركاً للازدهار، فيعتقد البعض، وهذا لا ينطبق على فرنسا وحدها، أن الاتحاد الأوروبي تحول إلى عقبة أمام النمو والازدهار. تنص قواعد اتفاق النمو والاستقرار، الذي يشكل أساس اليورو، على أن عجز الموازنة لا يمكن أن يتخطى في أي من الدول الأعضاء في منطقة اليورو الـ3% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الدين الوطني يجب ألا يتجاوز الـ60% من الناتج المحلي الإجمالي.

 ما زالت النسب الفرنسية أعلى بكثير من هذين المعيارين، ويروّج برنامج الجبهة الوطنية في أحد أجزائه للعودة إلى الطرق الفرنسية القديمة لتعزيز النمو بتوسيع نفاقات الحكومة، مما يساهم بدوره في تعميق دور الدولة في الشؤون الاقتصادية، لا الحد منه، لكن فرنسا وعدداً من الدول المؤسسة الأخرى للاتحاد الأوروبي أكدت التزامها باتفاق منطقة اليورو الصارم، فيعود تراجع شعبية هولاند أخيراً في جزء منه (تتراوح شعبيته بين 15% و20%) إلى إعلانه المفاجئ في مطلع عام 2014 خفض النفقات بنحو 50 مليار يورو، علماً أن هذه خطوة اعتبرها فرنسيون كثر من اليسار واليمين كليهما استسلاماً لبروكسل.

يكره فرنسيون كثر غياب التقدم الاقتصادي وارتفاع البطالة اللذين وسما رئاسات اليسار واليمين كليهما، فلم ينخفض معدل البطالة تحت نسبة الـ7% منذ عام 1983، حتى إنه ارتفع في نهاية الربع الأخير إلى 10.4%، أي أعلى من متوسط الاتحاد الأوروبي. لذلك يتساءل عدد كبير من الفرنسيين المستائين عما قدمه الاتحاد الأوروبي لفرنسا. ومع قرع مئات آلاف اللاجئين على أبواب أوروبا، يزداد هذا السؤال أهمية.

أما الركيزة الثالثة في برنامج لوبان، إلى جانب الاقتصاد الذي تقوده الحكومة والموقف الحازم المعادي للاتحاد الأوروبي، فهي: وقف الهجرة بالكامل، فمع الاعتداءات الإرهابية المريعة في باريس، يبدو هذا حلاً سهلاً لمشكلة صعبة، مع أن مشكلة فرنسا الإرهابية تنبع من الداخل على ما يبدو.

ولكن حتى مع تعهداتها الثلاثة هذه (العودة إلى حكومة أكبر، والتخلي عن اليورو، واتباع سياسة هجرة أكثر تشدداً)، لا أمل للوبان بأن تبلغ سدة الرئاسة عام 2017، ففرنسا مختلفة عن بولندا، حيث فاز أخيراً حزب العدالة والقانون اليميني المتشدد بالانتخابات، معتمداً الأفكار عينها التي تتبناها لوبان. ومن الخطأ الاعتقاد أن المشاكل التي تحاول الجبهة الوطنية معالجتها تشكل صيغة فائزة في كل أرجاء أوروبا، فكما أظهر خبير جغرافيا الانتخابات الهولندي يوسي دي فوغد، يتخذ اليمين الشعبوي الأوروبي أشكالاً عدة، ويفوز كل حزب في بلد مختلف باعتماده برنامجاً مغايراً جداً، فيتبنى أحياناً مشاكل محلية قلما تحظى باهتمام على الصعيد الوطني.

تكمن المفارقة في أن موقف لوبان من اليورو والاتحاد الأوروبي قد يكون السبب في حرمانها من جائزة الرئاسة الكبرى، فشريحة الناخبين التي دعمت اقتراحاتها الرئيسة الثلاثة أصغر من أن توصلها إلى قصر الإليزيه الرئاسي. وكما تُظهر استطلاعات الرأي، ومنها دراسة معهد بيو، تريد غالبية الناخبين الفرنسيين أن تبقى فرنسا ضمن منطقة اليورو وعضواً في الاتحاد الأوروبي.

في النهاية، يفوز القادة الذين يحملون شعار الوحدة، في حين أن دعاة التجزئة يخسرون، وقد أدرك جورج بوش الابن هذا الواقع جيداً حين لعب دوره الشهير "كموحد لا مقسم" خلال حملته الرئاسية الأولى، بالإضافة إلى ذلك لطالما كانت الحملة السياسية الناجحة حملة يتمكن مرشحوها من إقناع الناخبين المترددين بأن يقفوا إلى جانبهم، لكن التعويل على الناخبين الذين يؤيدونك أساساً فحسب لا يساعدك في الفوز في الانتخابات.

من هذا المنطلق، تبقى لوبان من دعاة التقسيم، وينطبق هذا على الكثير من أحزاب اليمين الشعبوية التي تثير ضجة كبيرة، في حين يشغل تدفق اللاجئين السوريين عناوين الأخبار وعقول الكثير من الناخبين الأوروبيين.

* كاج ليرز | Kaj Leers

back to top