البعد اختياراً... قاتلٌ مأجور!

Ad

إذا أحبّك شخص، لا تختبر محبته بالبعد عنه عمداً، لا تختبر مشاعره برمي جمرة الشوق في ثيابه، ولا تضع قلبه عن قصد في موقد الولَه، لا تجعل قلبه يلهث بحثاً عنك، القلب المنهك لا يُحسن النبض حبّا...

وغالباً لا يحسن التفريق بين قنديل الحبر وقنديل البحر، القلب المنهك لا يجيد قراءة الكف، ولا يتقن رسم الحناء بها، لا يستطيع أن يتخطى سور نبضه لشم زهرة تتدلى من على سور نبضٍ آخر، ولا يمكنه أن يحيل الضوء الباهت إلى نغم، ليس من الحكمة في شيء أن تبتعد عن شخص يريدك، لتعرف فقط إلى أيّ حدّ هو يريدك! إن أردت أن تعرف ذلك حقاً، فعليك أن تقترب منه حدّ الانصهار.

أن تمعن النظر به عن قرب، وأن تحاول جاهداً تتبع كل خيط يشكل نسيجه، وأن تحفظ بصمة أصابعه، وتحتفظ بصورة طبق الأصل عن الرسم البياني لتخطيط قلبه، وأن تقرأ ما يكتبه بخار أنفاسه في الشتاء،

المسافة بينك وبين من يحبك لا تزرع قمحاً عمره طويل، ولا تطعم قلباً جائعاً رغيفاً ساخناً، المسافة بينكما تجعل الرغيف الذي يصنعه الشوق عرضة لليباس مع الوقت، ومن ثم العفن،

لا تقدّم لقلب من يحبّك خبزاً سبقته إليه يد الفطريات، البعد يفعل ذلك، البعد يشوّه العواطف... ويفقدها بوصلتها، ويمنحها عناوين الريح، وذلك ليس أفضل ما نقدّمه لمن يحبّنا، البعد اختياراً ليس اختباراً، إنه مقصلة تودي بروح الحب، وقد لا يتبقى منه بعد ذلك إلا جسد لا روح فيه ولا دفء، الذين يجرّبون محبة أحبابهم لهم ويختبرونها في البعد، يضعون قلوب من يحبهم مقيّدة على سكة قطار سريع، والأغرب أنهم يفرحون مزهوين بأنهم اكتشفوا المشاعر الحقيقية لمن يحبهم، إذ اكتشفوا أن لا حياة فيها!

يقتلون تلك المشاعر مع سبق الإصرار والترصد، ثم يتّهمونها بالموت من قبل ذلك،

أكثر وسائل معرفة الحبيب فشلاً هي أن نسلك طريق البعد قصداً،

البعد حقل مفتوح وخصب لزراعة الوهم، والحب لا يتخذ بيتاً قائماً على خشب أشجار الوهم، سينهار ذلك البيت حتماً عاجلاً أم آجلاً!

البعد هو الأب الروحي للشوق وعرّابه، والشوق ليس لعبة نقيس بها درجة حرارة حب من يهوانا، إنه جمرة بوجهين، وجه يحفظ المشاعر ساخنة، ووجه آخر يحيلها إلى رماد...

إن الشوق أخطر ما يختبر به الحب، إنه تلك النار التي لا يمكننا رسم حدودها إن هي استعرت، ولا يمكننا تحديد مسار خطواتها،

لغة الشوق الرقيقة التي تبدو لنا أحياناً ناتجة عن ضعف، تتحول في غفلة من طمأنينتنا إلى سلوك من لهب، يبتلع كل ما ادخرنا لقلوبنا من مشاعر... ومن ثم نضطر إلى وضع رماد الحب في قبضة الريح، أو نتركه كومة باردة في حديقة القلب!

اختبروا مشاعر من تحبّونهم ويحبونكم بالقرب منهم أكثر، وان تصبحوا فيهم ما أمكنكم ذلك، وما استطعتم إلى ذلك سبيلاً!