جذور الإرهاب وعلاجه (2)
تطرقنا في المقال السابق إلى العوامل المحلية للتكفير والإرهاب، والتي بدأت تقوى في عام 1975 عندما احتضنت الحكومة آنذاك التيار الديني ومكنته من مفاصل عديدة في الدولة والمجتمع، هذا إضافة إلى النظام الاقتصادي للدولة الذي يشجع على الانقسام المجتمعي والاحتماء بالطائفية والقبلية، كما لم نغفل قضية البدون وخطورة عزل هذه الفئة سكنياً في فقر مدقع؛ مما يخلق بيئة خصبة لحركة اللجان التكفيرية، لكن لا يمكننا أيضا أن نغفل البعد الإقليمي في القضية، خاصة أننا بلد صغير يتأثر بمحيطه والجو المسيطر على ذلك المحيط. وللأسف، ليس بخاف على أحد أن التطرف والفكر التكفيري منتشران وبقوة في محيطنا الإقليمي، ولعل نقطة التحول أيضا كانت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وتحديدا عند الغزو السوفياتي لأفغانستان واستغلال أجهزة مخابرات دول إقليمية إضافة إلى أميركا للحالة الدينية للأفغان ولكثير من العرب؛ لأجل استنزاف الاتحاد السوفياتي في الوحل الأفغاني مثلما استنزفت أميركا في الوحل الفيتنامي.
حينها كان مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك زبيغنيو بريجنسكي يتحدث عن أهمية الجهاد من الجبال المطلة على الحدود الباكستانية الأفغانية، ونشأت ظاهرة الأفغان العرب التي شكلت نواة لتنظيم القاعدة لاحقا، وغرقت أفغانستان في وحل التطرف والحرب الأهلية بعد اندحار السوفيات حتى سيطرت حركة طالبان التكفيرية المتطرفة على زمام الأمور (وبمساعدة أجهزة مخابرات طبعا).فمنذ ذلك الوقت (أي قبل 40 عاما تقريبا) وأموال البترودولار تضخ لتغذية التطرف في الخليج ووسط وشرق آسيا إضافة إلى أوروبا وشمال إفريقيا، وها نحن نجني ثمار تلك السياسة منذ أكثر من عقدين، وخصوصا بعد الإطاحة بصدام حسين في العراق وعدم قبول بعض الدول لطبيعة التغيير السياسي فيه، فعملوا على إفشال العملية السياسية في العراق الجديد عبر إغراقه بالانتحاريين والتكفيريين، إلى أن أتينا لأحداث الخريف العربي وأحداث سورية لنرى من جديد استغلال الجماعات التكفيرية وتجميعها من شتى أصقاع الأرض لتصفية الحسابات. وصاحب ذلك تصاعد كبير في نبرة التحريض الطائفي وخطاب الكراهية عبر قنوات فضائية تبث من الإقليم وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا؛ لأن بعض الدول وللأسف الشديد لم تعد بيدها أي ورقة سوى الورقة المذهبية للإبقاء على الأوضاع كما هي دون محاولة التغيير والإصلاح؛ لمواكبة العصر وما يصاحبه من انفتاح وتبادل للثقافات في ظل تطور تكنولوجيا الاتصالات بشكل غير مسبوق. إن هذا العامل الإقليمي سيظل مؤثراً بقوة على وضعنا الداخلي في ظل وجود بيئة خصبة للتطرف والتكفير بسبب العوامل التي تحدثنا عنها في المقال السابق، وإن كان من الصعب التحكم في هذا الجو الإقليمي المتطرف ما دامت الدول التي ترعاه لا تزال على عنادها ورغبتها في استمرار المراهنة على هذه الورقة الخطيرة، وإنه من الممكن عدم توفير البيئة الحاضنة له داخليا (كما فعلت عمان)، لكن ذلك لن يكون أيضا بالأمر اليسير لأنه سيتطلب تغييرا كبيرا في الأوضاع السائدة منذ 40 عاما، لكنه ممكنٌ إذا ما توافرت الإرادة والقوة الحازمة لهذا لتغيير المستحق.