من الأخطاء الشائعة في الحب أن كثيراً منا يبحث عنه من خلال حبيبه، بدل أن يبحث عن الحبيب من خلال حبه، ذلك خطأ قاتل في الغالب يؤدي إلى هلاك الحب والحبيب معاً!

Ad

كثير منّا يجد من يظن أنه الحبيب المنتظر أو من يتمنى أن يكون كذلك، ثم يحاول أن يفصّل عباءة من الحب على مقاسه، عباءة تستوعب قلبيهما معاً، هذه الطريقة المضنية تستوجب غالباً على من يسقط في فخها أن يعيد بناء قلبه، ويعيد ترتيب أثاث ذلك القلب من جديد أو حتى تجديده بالكامل إن اضطر، وأن يعيد النظر في كثير من نظرياته التي آمن بها في الحب على مر السنين إن كان لديه شيء منها، ويعيد النظر في ذاته ويعيد هيكلتها من جديد لتتواءم مع ذلك الحبيب المنتظر.

من غير المجدي أبداً بل ومن المستغرب أن نتعرف على الحبيب ثم نحاول رسم ملامح للحب تشبه ملامحه، لأن ذلك يتطلب بالضرورة أن نعيد رسم ملامح ذواتنا لتشبه تلك الصورة التي اخترعناها لحبنا، وذلك قطعاً عمل شاق ينتهي في معظم الأحوال بالفشل، خاصة إن كان هناك فرق شاسع بين ملامحنا من الداخل وملامح ذلك الحب، إذ يصعب على المرء أن يهدم ذاته ويعيد بناءها من جديد لأجل شخص ما حتى وإن كان حبيباً، يصعب كثيراً على المرء إن لم يكن مستحيلاً أن يكون بلا ذاكرة، وبلا تاريخ، وبلا عادات، وبلا معتقدات، وبلا طعم، وبلا لون، وبلا هوية، وبلا رؤية ما تجاه الحياة، وبلا أي إيمان سابق بأي شيء، وبلا يقين أو حتى بلا مجرد ظن!

لا ينجح بذلك إلاّ من كان مسخاً، أو ورقة "حالكة" البياض كلها مساحة فارغة يكتب فيها من يشاء ما يشاء!

وفي اعتقادي أن جملة "الوقوع في الحب" نابعة أصلاً من السقوط في هذا الشّرَك من الحب، لأن هذا المسلك في الحب يؤدي حتماً إلى اختلال في التوازن، ومن ثم الوقوع، أو السقوط في حفرة مظلمة لا قاع لها.

وفي اعتقادي أيضاً أن النساء في مجتمعاتنا هن غالباً ما يكنّ ضحية هذه المصيدة البغيضة نتيجة أولا حاجتهن للأمان عن طريق الحب في مجتمع يغتصب إنسانيتهن أو يكاد، وثانياً حاجتهن الأنثوية إلى أن يحبِبن ويُحببن، إذ لدى معظم النساء إيمان مطلق بأن أنوتثهن لا تكتمل إلا بحبيب، مما يجعلهن يبحثن أولا عن الحبيب ومن ثم يقمن بتفصيل "بشت" الحب على مقاس هواه!

إن السبب الرئيسي والوحيد في ظني لهذا الخطأ القاتل أنه ليس لدى معظمنا رؤية واقعية وفهم واع للحب قبل أن يحب، إذ كل ما نعرفه عن الحب تجارب شخصية فاشلة ربما لأشخاص نعرفهم ارتكبوا ذات الحماقة التي أدت لنهايات غير مرتجاة، أو أوهام نسجتها قصص قرأناها في المراهقة لا تعبّر عن واقعية تراعي إنسانيتنا، أو فهم هش للحب يسقط عند أول اختبار له.

لكي نتجنّب "الوقوع" في الحب لابد أن يكون لدينا رؤية واقعية له نؤمن بها تتواءم وصفاتنا الشخصيّة، ومن ثم نبحث عن الشخص الأقرب لتلك الرؤية لنختاره حبيباً لنا.