أصدر عبدالباري عطوان كتاباً عنوانه "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو عبارة عن وثيقة تُؤرخ لهذه المنظمة الإرهابية الأكبر من نوعها في العالم المعاصر، وبينما كنت أتابع فصول الكتاب لفت انتباهي ما أشار إليه عطوان عن دور صدام حسين في إثراء داعش بالكوادر البشرية التي تقوم بالمهام كلها حتى كتابة هذه السطور! حيث جاء في الصفحة 18:

Ad

"ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو الذي بدأ في التمهيد العملي والعقائدي واللوجستي للدولة الإسلامية سواء جاء ذلك بمحض المصادفة أو نتيجة لخطة محكمة! فعندما أدرك الرئيس صدام أن أميركا تريد الإطاحة به وبنظامه من خلال إقامتها منطقتي حظر جوي في شمال العراق وجنوبه، ودعم المعارضة العراقية وتثبيتها وتأطيرها في أطر سياسية ومنظمة ومرفوقة بأذرع وحملات إعلامية مكثفة، وفرض حصار اقتصادي تجويعي إذلالي خانق على الشعب العراقي: قرر الرئيس العراقي التحول الى الله! وتبني الهوية الإسلامية، والجهاد الإسلامي خصوصاً كعقيدة لمواجهة الاحتلال الصليبي المتوقع!".

وأضاف عطوان في الصفحة التالية:

" الرئيس صدام حسين عبَّر عن هذا التوجه الإسلامي الجديد من خلال إغلاق الخمارات، والبارات، وإلغاء المظاهر العلمانية للدولة، وإطلاق ما سُمي في حينه بـ(الحملة الايمانية)، وكتب كلمة الله أكبر على العلم العراقي بحروف من دمه، وأسس ميليشيات فدائيي صدام من المتطوعين الشباب!".

ثم يعرج عطوان مصوراً أثر كل تلك المظاهر وما لعبته من أدوار مذهلة في تطور الحراك الإسلامي بعد سقوط نظام صدام، فيقول:

• "بعد استيلاء قوات الدولة الإسلامية على الموصل واندحار ثلاثين ألف جندي كانوا يحمونها وهربهم بملابسهم المدنية!" قال أحد الضباط العراقيين من نظام صدام السابق لعبدالباري عطوان: إن هذه البطولات التي حدثت في الموصل هي من تخطيط وفعل زملائه الذين تحولوا الى العقيدة الجهادية، وانخرطوا مقاتلين في صفوف الدولة الإسلامية، ومعظمهم من رجال الحرس الجمهوري العراقي وفدائيي صدام.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن أبرز مساعدي الخليفة أبو بكر البغدادي هم من ألوية الجيش العراقي الذي حله الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر!

فالجهاديون الذين انضموا من مناطق مختلفة للدولة الإسلامية (داعش) لا يملكون الخبرة في تنصيب الصواريخ، وقيادة الطائرات، والدبابات، وإطلاق القذائف المدفعية، ووضع الخطط العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي، وإدارة المناطق والمرافق والمدن التي سيطر عليها "داعش"، فهذا كله من فعل الضباط العراقيين، وهم الذين يديرون معظم مفاصل الدولة الإسلامية!

وليس هذا فحسب، بل إن حكومة الدولة الإسلامية التي تُشرف على متابعة عجلة الأحداث اليومية وفق هيكلة يديرها أشخاص بارزون في نظام صدام السابق مثل: شوكت حازم الفرحان، وأبو بكر قادر، وأحمد المشهداني، وعدنان لطيف، وغيرهم.

فهذه مجرد عينات من الكثيرين الذين ذكرهم الكتاب، وذكر الوظائف المناطة بهم!

* * *

• مما جاء في السطور يتضح أن صدام حسين سواء في حياته، أو بعد مماته كأنه اللعنة التي صُبت على العراقيين، وأن عليهم أن يتجرعوها، كما تجرعتها شعوب أخرى أصابها الدمار الذي أحدثه!

والآن فإن "داعش" يمارس أشد أنواع الإجرام مستعيناً بالقدرات التي دفع ثمن تدريبها والصرف عليها الإنسان العراقي طوال ثلاثين سنة، لتنتهي ثمرتها في خدمة الإرهاب العالمي!