شددت لاغارد على أن كل دول الخليج بحاجة إلى مزيد من التعديلات على ميزانياتها للتكيف مع تراجع أسعار النفط على المدى الطويل، إذ إن معظمها يتبنى سياسات مالية ستسمح بالقيام بتلك التعديلات من مركز قوة وستحد من تداعياتها على معدلات النمو الاقتصادي.

Ad

قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أمس، إن معظم دول مجلس التعاون الخليجي الست المصدرة للنفط وضعت سياسات مالية حصيفة، وإن بإمكان من لم يفعل أن يتعلم من الآخرين.

جاء ذلك في بيان إثر اجتماع لها مع مسؤولين اقتصاديين كبار بدول الخليج العربية في الدوحة. وقلص تراجع أسعار النفط والغاز منذ العام الماضي إيرادات الحكومات من تصدير الطاقة، مما أدى إلى مستويات كبيرة في عجز الميزانية.

وقالت لاغارد إن كل دول الخليج بحاجة إلى مزيد من التعديلات على ميزانياتها للتكيف مع تراجع أسعار النفط على المدى الطويل، وإن معظمها تبنى سياسات مالية ستسمح بالقيام بتلك التعديلات من مركز قوة، وستحد من تداعياتها على معدلات النمو الاقتصادي.

وقالت: "من لم يفعلوا ذلك بوسعهم بالتأكيد التعلم ممن فعلوا"، لكنها لم تذكر أي دولة بالاسم.

وحثت دول الخليج بما فيها السعودية والإمارات العربية المتحدة على سن ضريبة للقيمة المضافة على مستوى المنطقة بأسرع وقت ممكن، لأنها ستدر إيرادات كبيرة حتى عند نسب منخفضة. وقالت إنه ينبغي عدم تأخير ذلك. وقالت لاغارد إن الحكومات بحاجة إلى كبح نمو الإنفاق.

وقالت: "في ضوء الحقائق المالية الجديدة لا يوجد مجال لمزيد من النمو في فواتير الأجور العامة. علينا مواجهة تلك الحقيقة".

جبهة موحدة

وعلى صعيد آخر، مع اقتراب أجل ولاية كريستين لاغارد مازالت الدول الناشئة الكبرى مترددة في تشكيل جبهة موحدة للسعي الى قيادة المؤسسة التي لطالما ترأسها أوروبي.

وردا على أسئلة وجهتها المكاتب المحلية لوكالة فرانس فرس، بدت دول مجموعة "بريكس"، أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا منقسمة، بينما أعربت لاغارد انها "منفتحة" على فكرة تجديد ولايتها.

وفي حين ترفض موسكو وبرازيليا الإدلاء بأي تعليق، تبدو بريتوريا مستعدة للطعن في القيادة الاوروبية لصندوق النقد الدولي الموروثة عن قاعدة ضمنية تخصص رئاسة البنك الدولي للأميركيين.

وأكد متحدث باسم وزارة المالية الجنوب إفريقية أن "الدول النامية اصرت على ضرورة إجراء عملية تستند الى الأهلية وليس على التدابير السارية حاليا التي تقضي بأن يكون المدير العام لصندوق النقد أوروبيا".

احتجاج

هذا المطلب ليس جديدا، لكن ترجمته الى عمل ملموس بدت صعبة في الماضي. ففي حين أبدت دول "بريكس" اعتراضها الكبير منذ 2011، تعذر عليها الاتفاق في ما بينها على مرشح واحد يملك وزنا رمزيا طاغيا، ما أدى الى بقاء المكسيكي أوغوستين كارستنس وحده وسط معركة خاسرة مسبقا ضد لاغارد.

لكن هل الوضع مختلف اليوم؟ رد مسؤول في وزارة المالية الهندية "مازال من السابق لأوانه الجزم. ينبغي أن يوضح الوضع العام، وأن نرى أيا من المرشحين مشارك"، من دون إغلاق أي باب.

وتابع رافضا الكشف عن اسمه ان "الهند قد تسعى الى حوار مع دول أخرى كدول بريكس".

من جهتها، اكتفت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا شونيينغ بالتأكيد أن بكين "لديها علاقة متينة وجيدة مع صندوق النقد الدولي".

غير أن المعطيات تبدلت منذ 2011. فالدول الناشئة الخمس الأكبر عالميا عززت تعاونها للغرض الدائم نفسه، وهو اعتراض السيطرة الغربية على مؤسسات بريتون وودز بإنشاء مصرف تنمية وصندوق مالي خاصين بها.

وينبع احتجاجها المشترك من ضعف تمثيلها في صندوق النقد الدولي، حيث تملك الصين مثلا، ثاني قوة اقتصادية عالمية، حقوق تصويت تقل بأربعة أضعاف عما يحق للولايات المتحدة. ومازال إصلاح جار منذ ثلاث سنوات لتصحيح نقاط انعدام التوازن المماثلة لهذه يشهد عقبات كبيرة.

كما بدا شقاق بسيط يبرز في صفوف الصندوق. ففي يوليو أكد الرجل الثاني فيه ديفيد ليبتون أن سيناريو تولي شخصية غير أوروبية الإدارة العامة للصندوق "لم يكن في أي وقت أكثر بروزا".

دول بريكس

يرى خبراء توجهت اليهم وكالة فرانس برس أن سيناريو اختيار دول بريكس مرشحا مشتركا مازال يواجه صعوبات، وأولها العثور على مرشح يتمتع بالمصداقية.

وفي وقت يبدو كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي والحاكم الحالي للمصرف المركزي الهندي راغورام راجان مرشحا مثاليا، قطع بنفسه الطريق على التكهنات.

وكشف في مقابلة مع قناة "إن دي تي في" الهندية في سبتمبر "هذه ليست وظيفة قدمت طلبا لنيلها، لا في السابق ولا حاليا".

وبغض النظر عن خيار الأشخاص، من الصعب تشكيل جبهة موحدة في مواجهة لاغارد التي تتمتع بدعم واسع من الدول الاعضاء ومنها الدول الناشئة.

وأكد المسؤول السابق في الصندوق اسوار براساد لـ"فرانس برس" إن "لاغارد اتخذت إجراءات لتعزيز توعية صندوق النقد إزاء مخاوف الدول الناشئة وسعت الى زيادة تمثيلها في إطار الصندوق".

واعتبر الاستاذ في جامعة رنمين الصينية شي يينهونغ أن المعركة تبدو محسومة النتيجة نظرا الى توازن القوى في مجلس إدارة الصندوق، وهي الهيئة التي تعين مديرا عاما ويهيمن عليها الأوروبيون والأميركيون.

وقال "نظرا الى حقوق تصويت القوى الكبرى الغربية وقدرتها وتجربتها في إدارة منظمات دولية، اعتقد أن المدير العام سيعين من بلد متطور".

لكن عنصرين قد يغيران المعطيات وفق براساد. ويكمن الأول في امتناع صندوق النقد الدولي عن إدراج اليوان في سلتها للعملات المرجعية، والثاني في استمرار تعطيل إصلاح حاكمية الصندوق في الاشهر المقبلة.

وأكد الخبير أن "هذا قد يؤول بدول بريكس الى تحرك اكثر هجومية لتغيير بنية الصندوق".

وفي اتصال مع "فرانس برس" اكتفى صندوق النقد الدولي بالإعراب عن رغبة وحيدة هي بقاء آليته "مفتوحة" كما كانت في أثناء تعيين المديرين العامين السابقين.

(رويترز)