شوق متجدد لصديق

نشر في 30-09-2015
آخر تحديث 30-09-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي صديقي العزيز صباحك ياسمين الشام الأبيض الذي تعرف.

صباحك حارات دمشقية عاشت بك أكثر مما عشت بها. ويكفيها مجداً أنك خلّدت عوالمها بكتاباتك القصصية عنها، ونشرت عبقها بين القراء، في كل لغات العالم.

صديقي، جئت أنا إلى فن القصة من باب الولع بهذا الفن الساحر. جئت إليها بعد سنوات وسنوات من القراءة، وكان الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، والمصري يوسف إدريس هما من أثّرت بي قصصهما أكثر من أي كاتبين آخرين. لكن حينما وقعت عيناي على أول قصة لك، في مجموعتك "النمور في اليوم العاشر" يومها شعرت أنني حيال كاتب مختلف! يصوغ جملته، ويستحضر مكان قصصه، ويرسم شخصياته بطريقة مبدعة، ومتفردة لا تشبه إلا نفسها.

مؤكد أن القصة خلق يمزج بين الواقع والخيال، لكنك وحدك، بين كتّاب القصة العرب، تمتلك موهبةً تجعل من هذه الخلطة مادة عجائبية رائعة التماسك. خاصة أنك تمتلك خيالاً منفلتاً، ينطق بجراءة قلَّ توفرها لكاتب غيرك!

صديقي العزيز، صباحك ذاك الولد الذي علّم نفسه القراءة، دون أن يدخل مدرسة. ذاك الذي علّم نفسه القراءة باحثاً في أزقة دمشق القديمة عن كل ما يمكن أن يُقرأ.

في آخر لقاء لنا في بيتك في مدينة "اكسفورد" في بريطانيا، قلت لي: "أنا أتابع أفلام الخيال العلمي والآكشن بشكل يومي"، وتابعت بطريقتك التي توحي بأن توارد الكلمات على لسانك أسرع بكثير من قدرة لسانك على النطق بها، قلت لي: "هي تسلّيني، وأشعر أنني أعيش معها لحظات حلمتُ بعيشها".

صديقي، كلما التقينا أحرص كثيراً على أن أبقى ساكتاً أستمع إليك بكل جوارحي، فأنت الصديق المعلم. أينما كان اللقاء، في الشام، أو الكويت، أو مصر، أو الإمارات، أو إنكلترا.

الصديقة العزيزة "نادية" زوجتك قالت لي: أنك، ومنذ استقر بكم المسكن في مدينة "اكسفورد" تكتب في القطار. وحين سألتك قلت لي: "نعم، أخرج من مكاني اليومي الراكد. أجلس وحدي وسط ضجة القطار واهتزازاته والتواء طريقه، أنتزع نفسي من كل شيء، أختلي بأفكاري، وأكتب على ورقة ما يجول ببالي. أحياناً أكتب قصة واحدة، وأحايين أكتب أكثر".

وغشى وجهك شيء من ألم وأنت تخبرني: "مؤخراً، بسبب أحداث سورية، سكن الألم روحي. ما عاد شيء يمتعني، ولا عادت الكتابة تحنو عليَّ".

صديقي العزيز، أذكر يوم كتبتُ أنا مجموعتي القصصية "حكايا رملية"، على وقع خيالي الجامح، وكنت أنتَ أمامي ومعي طوال الوقت، ولذا كتبت في إهداء المجموعة: "إلى زكريا تامر، صديقاً ومعلماً".

يا زكريا، أنا أنصح كل من يريد الدخول لفن القصة القصيرة بقراءة أعمالك. فأنت محترف كتابة قصة، تستطيع الإمساك بالحدث الإنساني البسيط، وتبث بين جنباته روحاً تستنطقه بأقصى ما يمكن لحدث أن ينطق، وذلك عبر استخدام خيال مجنّح وبجراءة لا يمكن إلا لمن عاشها أن يكتب بها.

يا زكريا، لا أظن أن كاتباً سورياً كتب عن عوالم حارات الشام/ دمشق وخلدها كما كتب قلم قلبك. ولا أظن أن كاتباً سيبقى في ذاكرتها على مرّ العصور كما أنت!

ولأنك يا زكريا تحمل في داخلك طفلاً نزقاً فربما كنت واحداً من أهم الكتّاب العرب الذين كتبوا للطفل، وبكل الأفكار الإنسانية النبيلة.

يا صديقي زكريا، حيث يجمعنا المكان نتصاحب، وتظل أنت تتكلم بلهجة ابن الشام، الذي لم يغادرها إلا التو واللحظة، وأظل أنا أستمع فيلسوفاً مبدعاً ينظر إلى الحدث الإنساني العابر ليرى فيه ما يصعب رؤيته.

عزيزي زكريا، يسعد قلبي أن أكتب لك وعنك، ويسعده أكثر أن ترسم كلماتي ابتسامة خجولة على وجهك.

لك مني تحية محبة وإعزاز كصديق صادق ومخلص، ولك مني تحية ثانية كمبدع إنساني التوجه، وأخيراً لك مني شوقي الدائم للقائك والتعلم منك.

إلى لقاء قريب أتمناه يا صديقي.  

back to top