في ضوء الواقع الماثل في أقطار الوطن العربي، ما الذي يمكن أن يقدمه المبدع العربي، والمبدع الشاب تحديداً، للإنسان العربي وللآخر الأجنبي؟ يبرز السؤال لي بين آن وآخر وأنا أقرأ النتاج المحلي والعربي، سواء كان قصة أو رواية أو شعراً أو لوحة تشكيلية أو مسرحاً أو سينما. ففي بعض الأحيان أجد نتاج المبدع ينطلق من واقعه ويعكسه فنياً، وفي أحايين أخرى يبدو ذلك النتاج غريباً نشازاً لا يمت لنبض اللحظة.

Ad

أقطار الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط برمتها تعيش لحظة منعطف تاريخي كبير، ومؤكد أن ما ينتظرنا في قادم الأيام والسنوات سيكون جديداً علينا؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً وفنياً. ولأن الفنان ابن بيئته فإنه سيغرف من نهر الواقع الذي يهدر أمامه ليسلط الضوء على أسراره ومعادلاته، ومن ثم يتنبّأ بما سيكون عليه هذا الواقع في الغد القريب والبعيد.

الكاتب المبدع ليس عرّافاً لكنه يمتلك فكراً وحسّاً فنياً نافداً ربما استطاع من خلاله أن يقرأ لوح الغد قبل أن تنكشف حروفه ومعادلاته، لذا فإنه مطالب أكثر من غيره بأن يمعن النظر في ما يجري على أرض وطنه، ويكتب شهادته الإبداعية كوثيقة تدلل على ما يجري وتحفظه للأجيال القادمة، وتشير إلى ما يمكن أن يكون عليه الغد في أوطاننا الحبيبة.

إن واقعاً يعيش لحظة منعطف فيها من الاقتتال والقسوة والعنف والدمار الشيء الكثير يتطلب من المبدع أن يُحسن قراءة عناصر الواقع، بالرغم من تنافرها وتضادها وتشابكها، ويتطلب منه أيضاً أن يكون واعياً وصادقاً ومخلصاً في تجسيد ملامح هذا الواقع بكتابة مبدعة فيها من الصدق بقدر ما فيها من الخيال الفني الخلّاق. وبذا يقوم المبدع بواجبه المقدس، ويقدم للقارئ كتاباً يحتوي على متعة القراءة المشوقة، مثلماً يقدم رؤية كاشفة لما يجري وسيجري على أرض الوطن.

الكتابة مسؤولية، وللأدب عبر المسيرة البشرية وظيفة اجتماعية ينهض بها، لذا فإن أي كاتب من جيل الشباب يريد لنفسه أن يكون حاضراً في القادم من الأيام عليه أن يكون واعياً لما يكتب، وعليه أن يكون صادقاً في تحسس أوجاع اللحظة الإنسانية العابرة على أرض وطنه بوعي فني مرهف، ومن ثم كشف هذه الأوجاع بما تستحق من التقاطه ذكية تجسد عوالمها وتشكل وجبة إبداعية دسمة منها.

لست أقول جديداً حينما أكرر ولعي بالكتابات الشبابية الكويتية، لكونها رهان الغد. لكن متابعتي وحرصي على نتاجاتها الإبداعية، تجعلني أقول بصدق أن النزر القليل منها بات يقدم نصوصاً تتوافر على العناصر الضرورية للكتابة الروائية، وأن الكم الأكبر يغرق في التخبط على مستوى الموضوعات وكذلك اللغة، سواء ضعفها إذا كانت عربية، أو اختيار اللهجة العامية، وهو ما لا أتفق معه أبداً.

مؤكد عدم توفر رعاية شخصية لكل كاتب، لكن المؤكد أيضاً أن عدداً كبيراً من شبابنا ينتمي إلى مجاميع شبابية تعمل بنشاط وهمة، وأتمنى من هذه المجاميع ألا تبخل على نفسها بالقراءة الجادة والمعمقة من جهة، وبالتحصيل الفني من جهة ثانية، فالكتابة الإبداعية بات يُنظر إليها في الجامعات والمعاهد العالمية بوصفها مادة علمية تستوجب ممن يتعامل معها أن يكون ملماً بأصولها وتقنياتها.

دور النشر الكويتية تتحمل جزءاً من المسؤولية في ضرورة غربلتها لما يصل إليها من نتاج روائي وقصصي، وذلك عبر تمريره على لجان قراءة جادة ومختصة، تميّز الغث من السمين، وبذا تساهم دور النشر في لعب دور وطني إبداعي ثقافي، يحسب لها، وتساهم في تقديم أصوات شبابية محل رهان إبداعي كبير.

الكتابة مسؤولية، وتصير مسؤولية مضاعفة حين يكون الوطن في لحظة انعطافة كبيرة.