عام مناقصات «تاريخي» وعجز مالي!
إذا كان القطاع الخاص يعتمد بشكل شبه كامل على الإنفاق العام، ويراكم الأرباح الخيالية من دون أن يدفع أي ضرائب مقابل ذلك، فما العائد الاقتصادي لهذه الصفقات «التاريخية» على الدولة، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن القطاع الخاص لا يُوفّر فرص عمل جديدة تتناسب مع حجم الصفقات الضخمة؟
تحت عنوان "2015 عام مناقصات تاريخي" استعرضت صحيفة القبس في 25 أكتوبر 2015 تقرير "بنك الكويت الوطني" الذي كشف أن "قيمة العقود هذه السنة وحتى تاريخه بلغت 9 مليارات دينار (30 مليار دولار)"، أي حتى نهاية الربع الثالث، حيث ذكر أن هذه الفترة "سجلت أقوى أداء سنوي، وشملت الترسيات عقود المطار الجديد، ومصفاة الزور، وتطوير حقول إنتاج النفط، فضلا عن مشاريع طرق لوزارة الأشغال وتوفير وحدات الهيئة العامة للإسكان، وهناك مشاريع بنى تحتية وطاقة ومياه وخلافه. وأعلنت مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص عن مشاريع مقبلة بنحو 3 مليارات دينار". كما أشار التقرير إلى ما ذكره موقع "ميد" للمشاريع (ميد بروجكتس) من أن "إجمالي قيمة المشاريع في سوق الكويت (المخططة وقيد التنفيذ) قد سجل نمواً إلى أكثر من (74.3) مليار دينار (246 مليار دولار) بحلول نهاية سبتمبر من عام 2015". (نهاية الاقتباس).لنفترض أن هناك شفافية عالية في ترسية المناقصات "التاريخية"، أي أنها لم تكن مناقصات "مُفصّلة" لتناسب مقاسات شركات خاصة بعينها، ولنفترض أيضا أنه لا يوجد احتكار في القطاع الخاص، وبالتالي فقد ذهبت هذه المبالغ الضخمة إلى عدد كبير نسبيا من المواطنين الذين يملكون الشركات الخاصة (يشكل مبلغ 9 مليارات دينار ما نسبته (45.68%) من الميزانية العامة للدولة للسنة الحالية 2015-2016، والبالغة (19.7) مليار دينار، وهو مبلغ قابل للزيادة بمعدل الثلث تقريبا خلال الربع الأخير من السنة).
لنفترض ذلك، ثم نتساءل عن مدى استفادة الميزانية العامة للدولة (تعاني حاليا عجزا ماليا قيمته 8 مليارات دينار تنوي الحكومة من خلال سياساتها التي تُطلق عليها مُسمّى "الترشيد" تحميله لأصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية)، من هذه الصفقات "التاريخية" لو كان لدينا نظام عادل للضرائب التصاعدية على الدخل والأرباح (تطرقنا لضوابطه وشروطه بنوع من التفصيل في مقال سابق)، وليس كما هي الحال حاليا، حيث يعتمد القطاع الخاص بشكل شبه كامل على الإنفاق العام، ويراكم الأرباح الخيالية من دون أن يدفع أي ضرائب مقابل ذلك؟ ومن جانب آخر، ما العائد الاقتصادي لهذه الصفقات "التاريخية" خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن القطاع الخاص لا يُوفّر فرص عمل جديدة تتناسب مع حجم الصفقات الضخمة، وأن الحكومة قد قامت بإلغاء برنامج "الأوفست" الذي يُلزم الشركات الأجنبية باستثمار (30%) على الأقل من قيمة الصفقة في السوق المحلي، وذلك عن طريق توفير فرص عمل، وبرامج تدريبية، وبعثات دراسية للمواطنين، علاوة على جلب تكنولوجيا حديثة؟! أخيراً، إذا كان 2015 هو عام "مناقصات تاريخي"، فإنه في الوقت ذاته عام العجز المالي في الميزانية العامة للدولة الذي سيتحمّل أعباءه أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، وهنا يكمن التناقض! نافذة: عنوان المقال السابق هو "الأزمة الاقتصادية الرأسمالية والترتيبات السياسية الجديدة"، ولكن ولسبب فني سقطت كلمة "الأزمة" من العنوان في النسخة الورقية للصحيفة، فاقتضى التوضيح.