ثقافة نسكافيه

الكثير منا يعشق القهوة السريعة التحضير أو تلقائية التحضير أو ما يسمى بقهوة "نسكافيه"، لما لها من رائحة فواحة منعشة، وقد يكون أحد أهم أسباب عشق هذا النوع من القهوة هو سرعة التحضير الفورية التي لا تتجاوز ثواني معدودة وتصبح بعدها القهوة جاهزة للشرب.

كنت أشاهد أحد أفلام جيمس بوند الشهيرة مع ابني البالغ 14 سنة، وعندما ظهرت سيارة البطل "أوستن مارتن" سألني ابني: ما ثمن السيارة؟ فأجبته بأنها غالية الثمن، ونظرت إليه لأرى معالم وجه يريد إجابة دقيقة وفورية، فما كان منه إلا أن تناول جهازه الذكي وسأل "غوغل" عن السعر، وأتته الإجابة الفورية، فأجابني ابني أن سعرها كذا ألف دولار! فلم يعد الوصول للمعلومة بطيئا وصعب المنال، بل أصبح سريعاً وفورياً وبسرعة تحضير نسكافيه.

شريحة الشباب في الكويت تزيد على نسبة 60% في المجتمع، وسلوكهم المعلوماتي يغلب عليه سلوك نسكافيه في الوصول إلى المعلومة أو إجراء خدمات إلكترونية، ولكن هل السلوك المعلوماتي للشباب يواكب السلوك المعلوماتي لدى الحكومة؟ تتطور الخدمات الإلكترونية الحكومية ببطء لا يواكب سرعة العصر الذكي، بل لا يواكب شريحة الشباب التي تغمرها ثقافة نسكافيه في الوصول إلى المعلومة أو إنجاز إجراء ما خلال وقت لحظي، وقد أوردت صحيفة "القبس" في عددها الصادر بتاريخ 13 أغسطس 2015، وبحسب تقرير الإيكونوميست أن هناك تناقضاً حاداً في الكويت بين استعانة الأفراد بالتكنولوجيا الحديثة من جانب وأخذ الحكومة بها من الجانب الآخر، والأفراد هم في غالبهم من فئة الشباب، إذ يستخدمون شبكة الإنترنت والأجهزة الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي بمعدلات مرتفعة بين دول العالم، أما أداء الحكومة في استخدام التكنولوجيا عالميا، فهو ضعيف فتحل الكويت في المرتبة السادسة والسبعين بعد مصر وقبل أوكرانيا، متأخرة عن شقيقاتها في مجلس التعاون في تباين واضح، إذ حلت الإمارات في المرتبة الأولى وعمان في المرتبة الثانية عشرة.

خدمات الحكومة الإلكترونية ما زالت تتطور باستحياء وبعيدة عن دول مجلس التعاون التي نجحت في عملية الانتقال من حكومة تقليدية إلى حكومة إلكترونية وبعضها إلى حكومة ذكية، ونحن في الكويت نعيش في عصر الإدارة شبه التقليدية أو شبه الإلكترونية، فقد استثمرنا ونقلنا خدمات الحكومة من إدارة تقليدية مركزية ممثلة بمجمع الوزارات إلى إدارة تقليدية لا مركزية ممثلة بحكومة مول ومراكز خدمة مجتمع تمثل مجمع وزارات مصغراً، ولكن ما زلنا نحمل نسخ وثائقنا الرسمية لإنجاز معاملاتنا.

ثقافة النسكافيه تغلب على شريحة كبيرة من المواطنين وتزيد كل يوم، وهي بحاجة إلى من يواكبها ويقدم لها الخدمات بتقنية فورية وحديثة دون الاستعانة بخدمات الطباع أو مراسل آلة التصوير.