كتبت بتاريخ 27 أغسطس الماضي في مقال "دائرة السخط أكبر مما تظنون": "تضخم الاحتقان السياسي على وقع أحداث السنوات الماضية، وعدم توازن العملية السياسية، الأمر الذي سيدفع عاجلا أم آجلا لرسم خريطة تحالفات وتوازنات جديدة، تعادل كفة ما هو موجود وحقيقي على الساحة العامة، وما هو موجود وحقيقي في البرلمان ومفاصل الدولة؛ بما يمهد الطريق نحو التهدئة وحصر دائرة الخلافات في أضيق حدود".
ذلك المقال نشر خلال فترة منع الكلام عن خلية العبدلي التي وجهت لها النيابة العامة تهم "التخابر مع إيران والانضمام إلى حزب الله اللبناني، والعمل لمصلحته للقيام بأعمال عدائية ضد الكويت"، من كان متابعا للشأن العام أدرك المغزى، وهو بداية نهاية تحالف السلطة مع المجاميع "السياسية" الشيعية وأبرزهم تيار التحالف الإسلامي، لأن الثبات في السياسة أمر مستحيل.منذ خروج العملية السياسية من داخل قاعة مجلس الأمة إلى الشارع بفضل سياسة الجلسات السرية، وتطويق القوات الخاصة لمبنى البرلمان، والوصف الأنسب لمسار الأحداث في الكويت هو "الانزلاق غير المتوقع في الموقف والحدث"، فإذا ما سلمنا على المواقف الحكومية-النيابية وقع حدث ما قلب المعادلة رأسا على عقب، والأمثلة لا حصر لها من بينها التأبين، فهو "حدث" أطاح بتركيبة كتلة العمل الشعبي، ونقل منها نواب التحالف الإسلامي من خندق المعارضة إلى خندق الحكومة حتى اليوم، وأشهر الأحداث غير المتوقعة خبر تضخم حسابات بعض النواب الذي أخذ بطريقه أول ما أخذ رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، ثم لحقه مجلس 2009 بزخم شعبي لا مثيل له.أما المواقف المتزحلقة فمستمرة ولا حصر لها، وزير يدخل جلسة برلمانية عادية وهو منتفخ بأصوات الثقة يخرج بعد ساعات قليلة شبه مطرود، قرار يمنع بحزم يبتلعه قرار يسمح بعزم، معارض شرس يتحول إلى "بوبي"، وموال دبق يزاحم جيفارا على نضاله الثوري، ناخبون يدققون في صلاح وتقوى أحد المرشحين ويوم التصويت يختارون من لا يسلم الناس من "يده أو لسانه البذيء"، أطلقوا العنان لخيالكم في هذا السياق.معطيات خلية العبدلي غيرت مسار الأحداث باتجاه جبري نحو مسارات عديدة داخليا وخارجيا، على الصعيد الخارجي وقياسا بكمية المضبوطات وخطورة تفاصيل اعترافات المتهمين دخلت علاقة الكويت مع إيران مرحلة الجمود والترقب، الكويت الرسمية تنتظر الحكم النهائي حتى تحدد موقفها الواضح الذي سارت عليه دول أصغر وأضعف منها في مثل هذه الحالات، أما الكويت المنطقية فتتجهز نفسيا لمرحلة القطيعة واستنساخ بعض أجزاء النموذج البحريني، والموقف الإيراني بدأ أول ما بدأ بخرق الأعراف الدبلوماسية فخاطب الإعلام الكويتي بدلا من وزارة الخارجية، ومن المتوقع مع تصاعد درجات محاكمة خلية العبدلي تزايد حدة اللهجة الإيرانية ضد الكويت من مختلف "حكوماتها" لأن طهران تعودت على مد خطابها في شؤون غيرها كما حصل في البحرين واليمن وسورية وهنا الموضوع يمسها مباشرة.في الداخل الكويتي لم تظهر أي مؤشرات بأي اتجاه من السلطة أو تيار التحالف الإسلامي لأن الجميع صامت، ومن يتحرك على الساحة أطراف معروفة ومتوقعة لأن "حجم الانزلاق في الحدث" هبط كنفخة الروح في جسد الميت، تلك الأطراف عادت لجهالة مطالبها التي خنقت بها مؤخرا، ومنهم من عرض نفسه برخص كسياج طائفي لحماية النظام من الخطر، ومنهم من استغل الوضع وهو "العطشان" لينبوع الكرم الحكومي بعد "انزلاق" قدميه في حفرة المعارضة، وفي كل الأحوال لن تعجز السلطة عندما تقرر إجراء أي تعديلات على خريطة تحالفاتها أن تجد البدلاء وعلى المقاس الذي يناسبها لأن العرض أكثر من الطلب.في الختام تبقى نقطة محورية سأعتبرها نقطة فارقة في الموقف الحكومي، وهي توقيت إعلان حزب الله منظمة إرهابية، فإذا كان ذلك الإعلان بعد صدور الحكم النهائي على خلية العبدلي فليس أمام الحكومة غير اتخاذ ذلك الموقف أو تحمل غليان الشارع الذي بات يتأجج بقوة الدفع الذاتي، أما إذا حدث العكس فسنكون قد دخلنا مرحلة الفرز المكشوف لموقفين (مع حزب الله أو ضده)، فجماعة "الضد" سيدمجون في خانة المركب الحكومي وجماعة الـ"مع" سيلقى بهم في البحر.في الختام ورغم ثقل ما كان مدفونا تحت "الصبة"، فليس هناك ضمانة لأن تسير الأحداث أو المواقف وفق المنطق أو حتى الأمنيات، فلقد تعلمنا من التجارب السابقة أن "الانزلاق" أو توقع غير المتوقع هو المنطق الصحيح والوحيد.
مقالات
الأغلبية الصامتة: مذكرة تفسيرية لمقال سابق
10-09-2015