الناقدة الأدبية أماني فؤاد: الرواج لا يعبِّر بالضرورة عن قيمة الكتاب
ترفض الناقدة المصرية الدكتورة أماني فؤاد أن تكون سجينة النظريات النقدية المعلبة، وترى أن الناقد ليس آلة ميكانيكية ليفسر العمل ويناقشه وفقا لكتالوغ وملامح تيار من التيارات النقدية، وتؤكد في حوارها مع «الجريدة» أن النقد ليس فعلاً ذكورياً أو أنثوياً، ولكنه فعل معرفي: فلسفي، جمالي، علمي، نفسي، تذوقي، يتطلّب جهداً في التحصيل والمتابعة لكل المنتج الإبداعي والفكري والثقافي في المجتمع القومي والعالمي، إلى التفاصيل:
أصدرت كتاب {الرواية وتحرير المجتمع}. كيف تساهم الرواية في تحرير مجتمعها؟الأدب ليس مجرد مرآة تعكس الواقع أو محاكاة له. الأدب موازاة رمزية للواقع، ترتفع فوقه لتشكّل عوالم جديدة تثور عليه وتبرز قضايا تشغل الإنسان وتحدد علاقاته مع الوجود. يتضمّن الكتاب تحليلاً لأكثر من 17 رواية مصرية نشر معظمها في العقد الأول والثاني من القرن العشرين. قسّمت فصوله لتجيب عن أسئلة محددة: الرواية وسؤال الدين، الرواية والواقع الافتراضي، الرواية والفانتازيا، الرواية والتاريخ، الرواية واللغة. وكانت القضايا الفنية الفكرية هي التي مثلت شاغلي الأساسي، ثم جاءت الأعمال الروائية التي رأيت قيمتها الفنية والفكرية المميزة لتكون محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة من خلالها، هذه الأسئلة التي أراها حاكمة للإبداع، بل حتمية في المجتمع وتطوره، وضرورة تحرره إن أردنا له تقدماً بالفعل، التحرر بالفن الذي هو ضرورة لخلخلة أفكار جامدة في موروثنا الثقافي الديني والفكري والاجتماعي والفني. الفن من خلال النص الروائي هو ما يتيح الرسائل غير المباشرة التي من شأنها أن تترك ترسباتها في عقلية المتلقي فتدفعه لاتخاذ موقف تجاه أسئلة تثيرها النصوص الروائية.ترفضين تحديد منهج نقدي معين عند مقاربتك النص الأدبي. هل هي دعوة إلى عدم التقيد بالنظريات النقدية؟في بداية تخصصي في النقد، لم أكن أقف كثيراً لأتبين ملامح ما أكتب ولا أبعاده المنهجية. مارست النقد بعفوية وعشق، لكنني كنت أحرص على انطلاقه من قاعدة علمية وثقافية متسعة، وفضلت أن أترك للقارئ أو المتخصص مهمة تمييز ملامح منهجي النقدي بنفسه، ثم تطور الأمر مع تدريسي مناهج النقد وممارسة الفعاليات النقدية والأدبية الفنية المتعددة.أتصور أنني واجهت نفسي بسؤالين، لماذا يُتاح لنا الكثير من المناهج النقدية في الموروث الثقافي العالمي قديماً وحديثاً ونتخير أن نضيق على النص موضع الدراسة ونضغطه وفق منهج واحد، ربما لا تتبين من خلاله إمكانات العمل كلها؟ لماذا نقلص من آليات عملنا ونقصرها على منهج واحد؟ مع الوقت حرصت على ألا أركن كثيراً إلى حدود المنهج النقدي الواحد، استوعبتها جميعها وأدخلتها مصفاتي بعد هضمها التام، ثم قمت بتدريس مناهج النقد لطلابي في الأكاديمية، والتدريس يجعلك تهضمين الأفكار بصورة جلية. رفضت أن أكون سجينة النظريات النقدية التعليمية المعلبة. رأيت أن الناقد ليس آلة ميكانيكية ليفسر العمل ويناقشه وفقاً لكتالوغ وملامح تيار من التيارات النقدية. جربت الطرائق النقدية وتياراتها كافة لكنني راعيت أن أعبر بطريقتي التي توظف هذا الكل بما يتسق والنص الذي أقرأه ورؤيتي له. كذلك أحاول جاهدة أن أبتعد قدر الإمكان عن استخدام المصطلحات الملغزة في ما لو كان النص النقدي سيوجه إلى القارئ العادي، في حين يختلف الأمر حين أكون في صدد الكتابة للأبحاث الأكاديمية، وأتحرى كثيراً لغة الخطاب النقدي التي تقترب من اللغة الإبداعية من دون أن تفقد علميتها أو تتخلى عن طبيعتها التي تستند إلى موضوعية الأسانيد ومنهجيتها. ربما أستطيع أن أقول إن دراساتي النقدية أقرب إلى المنهج السوسيولجي النصي لأنني لاحظت أنني كثيراً ما يستهويني الحفر في الأبعاد الاجتماعية والقضايا الفكرية والوجودية في النصوص الأدبية وطبيعة شخوصها. كذلك كثيراً ما أفيد من المعارف المجاورة للنص، ولا أسمى هذا منهجاً تكاملياً لوقوع هذا المنهج الأخير في ظني في كثير من التناقضات.كيف يتعامل الناقد مع المبدع الذي يغضبه نقده؟ لا يتأسس عمل الناقد على أحكام مرسلة تعتمد على مجرد الانطباعات، فقد تخطى النقد هذه المرحلة من عقود كثيرة. يتأسس عمل الناقد على مجموعة آليات وتقنيات توفرها مناهج النقد وتياراته. أي أن النقد الحقيقي يملك عادة أسانيده التي يتكئ عليها، والنقد من العلوم الإنسانية التي لا يفصل فيها الصواب والخطأ لكن تحكمها مناظير ومدارس وتيارات متعددة، وهو ما يدعو إلى اختلاف الآراء حول النص الواحد. لو أننا أدركنا حقيقة الأمور وقبلنا بالفكر المتعدد ومنظور الآخر لقبلنا الحياة بتنوعاتها، وضيقنا منافذ الغضب.لماذا نجد عدد الناقدات قليلاً مقارنة بالنقاد، هل يعني ذلك أن النقد فعل ذكوري؟لم أقف أمام نفسي قط لأعرف نفسي بأني ناقدة امرأة، أنا عقل وإنسانة تعمل وتجتهد وتتعلم، عقل يحاول أن يضيف ليترك بصمة على ذهن أحد طلابه أو قرائه. كذلك لا أؤمن بهذه الانفصالية في مجال العلوم سواء التجريبية العلمية أو العلوم الإنسانية. كلنا إنسان: امرأة أو رجل، ما دام ثمة قاعدة علمية وفكرية مجردة نسبياً تحكم رؤيتنا للأشياء، وتحكم إعدادنا المعرفي. ليست القضية في أن الناقد امرأة أو رجل الأمر يرجع إلى ما أسميه التجرد والإخلاص في العمل والفكر، النقد ليس فعلا ذكورياً، كما أنه ليس فعلاً أنثوياً. النقد فعل معرفي: فلسفي، جمالي، علمي، نفسي، تذوقي، يتطلب جهدا في التحصيل والمتابعة لكل المنتج الإبداعي والفكري والثقافي في المجتمع القومي والعالمي، وهو جهد لا تستطيعه كثيرات من النساء في مجتمع ذكوري بامتياز، ليس لنقص في تكوينهن لكن لطبيعة ثقافية لمجتمع يتيح للرجل في الأسرة الحقوق كافة ليتفرغ ويتفانى في عمله، ولا يقبل من المرأة سوى أن تكون معطياً عاماً، أن تختفي هي في عطاءاتها لكل أفراد أسرتها مما لا يسمح لها مثل هذا التفرغ لتصبح صوتاً نقدياً قادراً على المتابعة والمواكبة لكل ما يستحدث. وأرى أن العمل الدؤوب مع العزوف عن الصراعات والأقاويل والتحزبات والتجرد للعمل تشكّل الطريق الذي سلكته في الوسط الثقافي والنقدي. أصبت فيه أم لم أوفق أترك هذا الأمر للرحلة كاملة فما زلت أشعر أني في بدايتها. أعشق النقد ولا أصنفني امرأة أو رجلاً، كما أن ثمة ناقدات عربيات أعتز بمنتجهن المعرفي والإبداعي مثل سهير القلماوي، لطيفة الزيات، يمنى العبد، فريال غزول، وسيزا قاسم، ونساء كثيرات أضفن إلى حياتنا الثقافية النقدية.الأكثر مبيعاً• ما هو رأيك بظاهرة الرواية الأكثر مبيعاً وكيف تنظرين إلى نجاح بعض الأعمال بمعزل عن النقد؟المصطلح جديد نسبياً لكن وجوده تمثيلاً وإبداعاً قديم قدم وجود الأدب. لطالما وُجد الأدب الأكثر رواجاً بين فئات معينة من القراء مثل الروايات البوليسية والتشويقية، وتلك التي تلعب على الغرائز الإنسانية المباشرة وتدغدغها. لكن في المقابل ثمة الأدب الرصين الذي يحمل قيمه الفنية والفكرية، القادر على التعالي المستمر في ملامسته قضايا الإنسان الوجودية الرئيسة. الجديد في هذا المجال، {التجييش} الإعلامي لهذه الروايات المشوقة أو المسلية، وتضخّم عدد طبعاتها، وأتصور أنها تخضع للدعاية أكثر منها إلى حقيقة انتشارها الفعلي.أتصور أن النص الجيد لن يغفله النقد وأن الرواج لا يعبّر بالضرورة عن القيمة الفنية والفكرية، ولأصحاب هذه النصوص طرقهم في دفع أعمالهم نحو ادعاء الرواج باعتبارات تتعلق بما يحتوي عليه النص ذاته أو الدعاية التي تقدمها دار النشر للكاتب ونصه.