العراق: خفض «المعاشات» يهدد الرئاسات
انتقادات غير مسبوقة لرموز دينية... وتوقعات بشغب واسع
يبدو أنه لم يعد أمام حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلا أن تباشر بقضم المعاشات وتقليص المخصصات، في بلد يعيش معظم عوائله على الوظيفة الحكومية، لكن هذا يهدد بغداد باحتجاجات عنيفة قد يجري استغلالها من خصوم الحكومة بنحو غير مسبوق.وبدأ ذلك يتضح صباح أمس الأول، حيث خرجت للمرة الأولى في العقود الأخيرة، ثلاث تظاهرات متزامنة أمام القصور الرئاسية والحكومية في العاصمة، ضمت موظفي الرئاسات الذين سيخسرون ثلثي معاشاتهم، وفقا لسلّم معاشات جديد أعلن الأسبوع الماضي.
فقد تظاهر موظفو البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، ورفعوا شعارات مفادها أن حياتهم "ستنقلب رأساً على عقب"، وإذا كان متوسط المعاش مع مخصصات الخطورة في هذه الدوائر الحساسة يصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار، فقد أصبح بين ليلة وضحاها أقل من ألف دولار.وتشير بعض الحسابات إلى أن العراق يواجه عجزاً في ميزانيته يصل إلى 50 في المئة، ولم تعد مشاريع البناء مهمة، لأن الحكومة تحاول فقط تدبير معاشات نحو 5 ملايين موظف حكومي. ويحذر ساسة وخبراء محليون من عجز بغداد عن دفع مرتبات الموظفين في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر. وتحاول الحكومة أن تخفف من هول الكارثة، وبدل أن تعجز عن دفع المعاشات تحاول أن تقضم نصفها.وكانت المعاشات سيئة جداً في عهد صدام حسين، لكنها تحسنت بشكل ملحوظ منذ تحسن أسعار النفط وزيادة معدلات التصدير، إلا أن الاقتصاد الذي يعتمد معظمه على عوائد البترول، يشهد زلزالاً حقيقياً بسبب أسعار السوق. لكن هذا لن يقنع الموظفين كما يبدو، فهم يعتقدون أن بلادهم لديها ما يكفي لدفع المعاشات، لكن "الأحزاب الفاسدة" تسرق أكثر مما ينبغي، عبر استيلاء الأطراف السياسية على معظم مصالح الاستيراد والوكالات التجارية ومشاريع البناء وغيرها.وكانت أول تظاهرة كبيرة شهدتها بغداد هذا الصيف، تلك التي عرفت باحتجاج القطارات، إذ قام سائقو محطة القطار بتحريكها في قلب العاصمة، إذ تمر السكك في تقاطعات حيوية، ثم أوقفوا القطارات هناك وقطعوا السير، احتجاجاً على تأخر معاشاتهم.كما تشهد مدن كردستان العراق تظاهرات عنيفة منذ نحو أسبوعين، احتجاجاً على تأخر المعاشات. وترافق ذلك مع غضب متزايد على الأحزاب الحاكمة. ورغم أن جزءاً من اللغط الإعلامي وتراشق الاتهامات هو استغلال سياسي وتصفية حسابات، فإن موجة الغضب تمس لأول مرة رموزاً من العوائل الدينية، التي بدأت قداستها "تتآكل"، إلى درجة تجعل المراقبين المحليين أمام احتمالات جديدة بالكامل، تتعلق بما سيحصل في المرحلة التالية من عجز الحكومة مالياً، إلى حد أن بعض أنصار الحكومة قال إن على العبادي أن يحصل على "معجزة"، وهو الذي يتعرض لخذلان متزايد من حلفائه وضغوط متعاظمة من حلف روسيا وإيران، للابتعاد جزئياً عن واشنطن التي تتردد في الحديث عن خطة واضحة لإنقاذ "حليفها" العراقي الضعيف.