{البترول والغاز في لبنان}...
هل تنقلب الثروة من نعمة إلى نقمة؟
أراد الدكتور نقولا سركيس في كتابه «البترول والغاز في لبنان» تسليط الأضواء على أمرين، أولهما تقييم حجم وأبعاد الفرصة التاريخية التي يقدّمها لنا والتأكد من وجود البترول والغاز في المناطق البحرية والبريّة، وثانيهما التحذير من النتائج الكارثية لبوادر الانحرافات في تصرفات المسؤولين وسياساتهم (من مشورات المكتبة الشرقية).
منذ سنوات عدة واللبنانيون يتطلعون إلى وجود احتياطي من البترول والنفط على مقربة من الشاطئ اللبناني أو في جوف أراضيه. وبعدما تمّ التأكد من الأمر وشاع الخبر في مختلف الأوساط نام اللبنانيون على حرير استغلال هذه الثروة الوطنية التي ستشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرته الاقتصاديّة والسياسيّة.يدرك الجميع أن التكتّم حول أسرار امن الدولة هو من البديهيات، لكن التكتّم حول مورد غني يمكنه نقل الدولة والمجتمع من حال عوز إلى رفاهية لا يستطيع احد فهمه. فالشعب اللبناني لا يعرف ما هو السرّ الذي يغطي الشروط المقترح اعتمادها في الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية لاستغلال الثروة الموجودة من البترول والغاز. أي «الإطار القانوني والنظام الضريبي ودور الدولة وتحديد شتى العوامل التي تتحكّم بالموارد المالية والفوائد الاقتصادية». فلماذا لا تطلع السلطات المختصة الشعب على السياسة البترولية التي ترسمها في هذا الإطار، وفي طليعتها المجلس النيابي اللبناني، فتنشر النصوص التشريعية المتعلقة بها في الجريدة الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام، كما تفعل سائر البلدان؟ إن اهم مشاريع ما يسمى بالمراسيم التطبيقية ما زالت طي الكتمان في أدراج مقفلة ولم يتح لأحد الاطلاع عليها سوى بعض الشركات الأجنبية وعدد ضئيل من موظفي وزارة الطاقة والمياه أو بعض المقرّبين لأسباب لا تُخفى على أحد.أضرار الحملات الإعلاميةفي اثناء القيام بحملة التطبيل والتزمير الإعلامي بغية الضغط على الحكومة للإسراع في إقرار المراسيم ووضعها موضع التنفيذ وإبرام اتفاقيات استكشاف وإنتاج مع حكومات أجنبية، لم تنتبه وسائل الإعلام وسائر الجهات المسؤولة والرأي العام إلى خطورة ما تنطوي عليه هذه النصوص من تدابير غير مألوفة وغير معروفة في البلدان الأخرى، وهي أبعد ما يكون عن المصالح الوطنية وأقرب ما يكون إلى مصالح الشركات البترولية وعملائها في لبنان.راح المسؤولون يدلون بالتصاريح حول المليارات من الدولارات وحول الفرص الضائعة جراء التأخير في إقرار مشاريع المراسيم المذكورة التي اعتقد الجميع بأنها ستجلب معها الحلول لكل المشاكل المالية والاقتصادية التي يعاني البلد منها. وبما ان الكاتب أتاحت له علاقاته مع شركات أجنبية إمكانية الحصول على نصوص مشاريع المراسيم المذكورة فقد أكبّ على دراستها وتحليل بنودها ومقارنتها بما يحدث في شتى البلدان الأخرى ذات الظروف المماثلة، «وكانت النتيجة المؤسفة أن هذه النصوص تنطوي على عدد لا يستهان به من الانحرافات التي تؤدي لا محالة ليس فقط إلى خسائر مالية فادحة، لا بل ايضاً إلى زرع الألغام على طريق أية محاولة جديّة لتجنب هدر هذه الثروة ولتأمين الحوافز والضوابط التي يستلزمها تحقيق آمال وأماني اللبنانيين جميعاً».إن هذه الانحرافات المشكو منها تبدأ بنظام استثمار بترولي مبتور وغامض لا مثيل له في العالم، وهو يشلّ دور الدولة في المشاركة الفعلية في استغلال ثروتها، مروراً بمستوى ضرائب منخفض لا يمكن لشركات البترول ان تحلم بها في اي بلد آخر.النظام الاستثماري الأسوأ لا مبالغة في القول، بحسب رأي الدكتور نقولا سركيس، إن استغلال البترول والغاز المقترح في لبنان من اسوأ الأنظمة المعروفة من جهة المصالح الوطنية. والتفسير المنطقي الوحيد لما يحصل هو العزم على اجتذاب شركات أجنبية عن طريق الانحرافات الممكنة لإبرام اتفاقيات معها على جناح السرعة وإن تكلف لبنان خسارة عشرات المليارات من الدولارات، وهذا كله عن طريق بعض الوكلاء المحليين الذين يعملون في الخفاء وراء ستار هيئة إدارة قطاع البترول.لكن الأهم من ذلك كله يقول المؤلف هو عدم وجود شيء يمكن تسميته سياسة وطنية لصناعة بترولية، أي وثيقة أو اي قانون متكامل أو أي برنامج عمل صادر عن الجهات المعنيّة حول الأهداف المتوخاة لهذه الصناعة... وكل ما نراه هو بشكل عام قرارات اعتباطية...»ظروف ملائمةيختم الدكتور سركيس بتقديره ان لبنان يمرّ بظروف ملائمة للحصول على أفضل الشروط الممكنة لاستثمار الاكتشافات المتأملة من البترول والغاز لأن الطلب العالمي والشرق أوسطي يتزايد عليهما، ولأن ما تمّ من اكتشافات مؤخراً في غزة وقبرص وإسرائيل يزيد من إمكانية وجود حقول أفضل منها على الشاطئ اللبناني.حصة لبنان من الطاقةفي دراسة المؤلف حول الثروة البترولية يقول: «إذا أخذنا بعين الاعتبار مجموع كميات المخزون المحتمل من الغاز والبترول والمكثفات في كامل المنطقة الاقتصادية الخاصة، يبدو أن مجموع دخل لبنان من هذه الثروة قد يبلغ مئات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى الدخل المالي بشكل إتاوات وضرائب وغيرها، تترتب على استثمار البترول والغاز فوائد أخرى لا تقلّ أهمية عنها بالنسبة للاقتصاد الوطني وفي طليعتها مشاريع البنية التحتية وشتى أنواع الصناعات والخدمات المرتبطة بصناعة الهيدروكربونات، وتحسّن قيمة صرف الليرة اللبنانية، وزيادة إجمال الناتج القومي، وتعزيز ثقة المستثمرين اللبنانيين والأجانب بالاقتصاد الوطني».ولكن ما يعيق استثمار حقول الغاز والبترول هو حقول الألغام الموجودة في عدم ترسيم الحدود البحرية في ما بين دول المنطقة، والنزاعات السياسية بين بعضها البعض، ورواسب تاريخ قديم من العداء والحروب، فما إن كادت بوادر الإنتاج والتصدير تلوح في الأفق حتى بدأت التهديدات والنزاعات المسلحة وغير المسلحة. وكان أول مثل على ذلك محاولة إسرائيل لوضع يدها واستملاك مخزون الغاز الذي تم اكتشافه مقابل ساحل غزة عام 1999 ثم تدمير منصات الغاز هناك والحؤول دون استثمار ما تمّ اكتشافه. والمثل الثاني هو تهديد إسرائيل ومحاولتها انتزاع السيادة اللبنانية عن منطقة لبنانية غنية بالغاز والبترول تبلغ مساحتها 853 كيلومتراً مربعاً بين البلدين.