عندما تلجأ الطائرات الروسية، وغير الروسية، إلى إلقاء "مناشير" على مدينة حلب وضواحيها والقرى والبلدات التابعة لها، تطالب أهلها وسكانها بالرحيل والمغادرة على الفور، وعندما يغادر نحو خمسة وثلاثين ألفاً من أبناء هذه المدينة التي هي ثاني أكبر مدن سورية بعد دمشق فإنه على الدول المجاورة، تركيا والأردن تحديداً، أن تستعد ومن الآن لاستقبال ليس الألوف من الأشقاء السوريين الفارين بأرواحهم وأرواح أطفالهم بل الملايين... وهذا تقدير لا مبالغة فيه على الإطلاق.

Ad

لم يستهدف الروس "داعش" ولا الإرهاب بل استهدفوا خلافاً لادعاءاتهم، ما تبقى من أبناء المدن السورية في مدنهم "حماة وحمص وحلب" والبلدات والقرى التابعة لها، وهذا يعني أن هناك سياسة "تهجيرية" واضحة، وأن المقصود إحداث خلل "ديموغرافي" كبير، لتصبح الأكثرية أقلية وليتم التخلص من لون معين هو بكل صراحة ووضوح "العرب السنة"، على غرار ما جرى في العراق، حيث غادر نحو 3.5 ملايين من هؤلاء، أي العرب السنة، إما مناطقهم وإما بلاد الرافدين كلها تحت ضغط المخابرات الإيرانية وأعوان وأتباع المخابرات الإيرانية من الذين أصبحوا غارقين في الطائفية البغيضة حتى آذانهم.

وهكذا فإنه على كل من يهمه الأمر في الدول المجاورة لسورية أن يدركوا أن سياسة التهجير هذه وإحداث خلل "ديموغرافي" في التركيبة السكانية، التي اتبعها نظام بشار الأسد ولا يزال، والتي تتبعها إيران، ويظهر أن روسيا قد تورطت فيها، لن تبقى مقتصرة على منطقة أو مدينة بعينها، وأن سياسة الإخلاء، تحت وطأة الضغط العسكري من الجو والأرض، ستضرب في الشمال والجنوب على حد سواء، حيث الكثافة المرتفعة من اللون المذهبي المستهدف!

إن هذا ليس تجنيا على الحقائق، فالمعروف أن هناك حملات "تجنيس" بقيت متواصلة على مدى الأعوام الأربعة الماضية، شملت، إضافة إلى ألوف الإيرانيين، أعداداً كبيرة من المرتزقة الذين تم استيرادهم من أفغانستان وباكستان والهند... وحتى من الصين، على أسس طائفية ومذهبية، والذين كانت أبواب تجنيسهم ليصبحوا سوريين بانتظارهم ومفتوحة على مصاريعها... والقادم أعظم كما يقال!

والمعروف أن بشار الأسد قال في خطابه الشهير ما قبل الأخير إن سورية هي لمن يدافع عنها، والمقصود هو من يدافع عنه وعن نظامه، وحسب المعلومات المعلنة المنسوبة إلى عدد من رموز هذا النظام وأركانه فإن عمليات تجنيس هؤلاء، أي الذين دافعوا عن نظام بشار الأسد بحجة أنهم يدافعون عن الجمهورية العربية السورية، قد بدأت على الفور، وشملت كل الذين تم استيرادهم من دول قريبة وبعيدة لإحداث خلل في التركيبة السكانية "الديموغرافية"، وعلى غرار ما بقي مستمراً منذ عام 2011 حتى الآن.

والسؤال هنا هو: هل فعلاً يا ترى بالإمكان تحويل الأكثرية التي تزيد نسبتها على 70 في المئة إلى أقلية؟ وهل بالإمكان تحويل الأقلية من الشراذم المذهبية المستوردة من الخارج إلى أكثرية...؟ هل هذا ممكن بالفعل؟!

والجواب: نعم، هذا ممكن إذا استمرت عمليات تهجير "السنة" بمنهجية متواصلة وعلى هذا النحو... وإذا استمر هذا الاستهداف من قبل النظام ومن قبل الإيرانيين... والروس أيضاً لهؤلاء، والمعروف أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن عدد الذين أصبحوا خارج سورية، وطنهم، من أبناء هذه الفئة ومن أبناء هذا اللون المذهبي قد تجاوز الأربعة ملايين بكثير، وأن "لاجئي الداخل" من بين هؤلاء قد تجاوز الستة ملايين، ما يعني أن كل شيء جائز ومعقول، خاصة عندما يصل الاستفراد بالشعب السوري، من لون معين، إلى ما وصل إليه.