لا تستطيع واشنطن التحكم في السياسات الإيرانية

نشر في 31-12-2015
آخر تحديث 31-12-2015 | 00:00
 ناشيونال إنترست يعرب قادة الكونغرس عن غضبهم لغياب رد البيت الأبيض على خطوة إيران المستفزة في الحادي عشر من أكتوبر حين اختبرت صاروخاً بالستياً متوسط المدى، فقد اعتبرت الأمم المتحدة إطلاق هذا الصاروخ انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن قبل أيام فقط من تبني طهران وقوى العالم خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن برنامج إيران النووي، فاتهم السيناتور الأميركي بوب كوركر إدارة أوباما بأنها غير مستعدة لمعاقبة طهران خوفاً من تقويض الصفقة النووية أو "تمكين المتشددين" قبل انتخابات محلية حساسة في شهر فبراير، ولكن هل تتمتع الولايات المتحدة حقاً بتأثير مماثل في السياسات الإيرانية؟

الجواب باختصار: كلا. فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979، بحث القادة الأميركيون عبثاً عن سبل للتأثير في الفصائل المفترضة للحكومة الإيرانية، على سبيل المثال تعود قضية إيران-كونترا في ثمانينيات القرن الماضي، التي هدفت إلى تحرير الرهائن الأميركيين في لبنان، في جزء منها إلى اعتقاد إدارة ريغان أن ثمة سياسيين معتدلين في طهران منفتحين على تقرب الولايات المتحدة، كذلك أخفقت محاولة الرئيس الأميركي كلينتون التواصل مع الرئيس المصلح محمد خاتمي في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حين رفض القائد الأعلى آية الله علي خامنئي وحرس الثورة الإسلامية الإيرانية بشدة قبول خاتمي هذا الانفتاح.

ركّز الرئيس أوباما، بعد استمداده العبر من هاتين التجربتين على الأرجح، على التواصل مع خامنئي مباشرة، بدل التقرب من الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد أو الفصائل المتنافسة داخل النظام، وربما شكلت هذه الفلسفة أساس تفاعل البيت الأبيض الفاتر مع الحركة الخضراء عقب إعادة انتخاب أحمدي نجاد المريبة عام 2009، ولا شك أن أوباما خشي أن يشعل دعم الولايات المتحدة المتظاهرين غضب القائد الأعلى ويقوي المتشددين، لذلك اكتفى بإصدار عدد من التصريحات الشديدة اللهجة، لكن هذه المقاربة لم تؤدِّ إلى النتائج المرجوة، إلى أن أعرب خامنئي أخيراً عن اهتمام بالخروج من قبضة العقوبات النووية الخانقة التي فُرضت على إيران عام 2012، ولكن بغض النظر عن مدى حذر أوباما، كان يجب أن ينبع التغيير من الداخل.

أعاد انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013 وانطلاق المحادثات النووية تأجيج رغبة واشنطن في التحكم في سياسات طهران الداخلية المعقدة، من المتعارف عليه في الغرب (يعود ذلك في جزء منه إلى تعليقات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لوسائل الإعلام) أن القائد الأعلى يتحكم في كل خطوات روحاني للتوصل إلى اتفاق نووي، وأن حرس الثورة والمتشددين الآخرين جاهزون للإطاحة به إن قدّم الكثير من التنازلات على طاولة المفاوضات. نتيجة لذلك، شعر الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون، الذين خشوا الضغط كثيراً على الطرف الإيراني، أن عليهم المضي بحذر في التعاطي مع نظرائهم الإيرانيين.

لكن التزام طهران بالتوصل إلى اتفاق نووي لم يكن يوماً هشاً إلى هذا الحد (اختلقت طهران وجهة النظر هذه على الأرجح كمناورة تفاوض للحد من الضغط الأميركي والأوروبي بغية تقديم تنازلات أكبر)، صحيح أن القائد الأعلى عبّر دوماً عن شكوكه حيال مدى قدرته على الوثوق بالجانب الأميركي، إلا أنه دعم باستمرار جهود ظريف خلال هذه العملية، كذلك يجمع تاريخ طويل ورابط دم قوي بين خامنئي وروحاني، ومهما كانت شكوك قيادة حرس الثورة حيال الصفقة، لم تتحول إلى نقطة خلاف بارزة.

أراد صانعو القرار الإيرانيون منذ البداية صفقة تشبه خطة العمل المشتركة الشاملة، لذلك أفرحتهم النتيجة، ولم تتبدل حاجتهم إلى التخفيف من العقوبات، ومهما احتج البعض في النظام بصوت عالٍ على التبديلات الأخيرة التي أُدخلت إلى قواعد تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، أو العقاب المحتمل بسبب انتهاك إيران في شهر أكتوبر حظر إجراء تجارب صاروخية، فمن المستبعد أن تتخلى طهران عن خطة العمل المشتركة الشاملة هذه، لكن إيران لن تكف بالتأكيد عن محاولة تخطي الحدود بتفسيرها هذه الخطة وقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة المرتبطة بها، ولن تتوقف عن الادعاء أن كل خطوة أميركية تعارض المصالح الإيرانية تشكل انتهاكاً للصفقة، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تملك ما تخسره في المناظرات والمناورات الحالية في طهران.

* جي.ماثيو مسينيس

back to top