الحملة الشعبية العفوية التي انطلقت لمقاطعة شراء السمك الكويتي لاقت استحساناً واسعاً، كما يبدو، وتفاعلاً يقل نظيره في بلدنا هذه الأيام، لذا جاءت نتائجها سريعة، ولا أقصد هنا نزول الأسعار إنما إصرار الناس على الصيام عن أهم أكلة كويتية تشمل الزبيدي والهامور والسبيطي والصبور.

Ad

ليس الشعب الكويتي مسؤولاً بالأساس عن مواجهة غلاء الأسعار، لكن الاحتجاج الشعبي بحد ذاته يعكس فشل منظومتنا المؤسسية في كل شيء، وصولاً إلى إنتاجنا الوطني الوحيد، وهو السمك الذي يتم صيده على بعد أمتار من شواطئنا، فبأي حق يصل كيلو السمك، من الشبك إلى البسطة دون الحاجة للنقل والتخزين والشحن والجمارك، إلى أكثر من 15 ديناراً؟ وأين دور جهات الرقابة؟ ليس المقصود وزارة التجارة فقط، بل هيئة مكافحة الفساد ومجلس الوزراء في وضع حد لهذا الاستهتار الأرعن، وإذا كان "الضرب بالميت حرام" فعلامَ المشتكى؟ وإذا كانت الأموال العامة والاستثمارات والتأمينات والموازنات والمناقصات والنفط، حتى صندوق الأجيال القادمة لم تسلم من النهب، فـ"الداد" على السمك!

إن أسعار السمك ورغم المبالغة والاستغلال الظالم لحب الكويتيين له جزء من منظومة التضخم التي تشير إليها الإدارة العامة للإحصاء سنوياً، وبمعدلات بلغت 4% و5% و6% خلال السنوات الثلاث الماضية، دون أن يُهز جفن للحكومة!

كما أن مقاطعة أشهى الأطعمة الكويتية لن تغيّر الكون، فإحجام الناس عن شراء السمك فرصة سعيدة لأصحاب المطاعم لجمع هذه السلعة وتخزينها ومضاعفة أرباحهم على ظهر المواطن المحتج!

لكن قصة الربيع الكويتي الجديد لا تخلو من دروس جميلة، وتذكرنا بحادثة الحجاج بن يوسف وأحد رعاياه الذي أمسك بسمكة وهو يشمها من ذيلها أمام الطاغية الذي استغرب سلوكه، فراح ينصحه بأن السمك يشم من رأسه إن كان فاسداً، لكن المواطن الفطين استدرك بمعرفته بفساد الرأس، إلا أنه يرغب في معرفة إذا كان الفساد قد وصل للذيل، فكانت إحدى المناسبات التي أهانت الحجاج الشرس صاغراً.

طالما وصل الغلاء والاستغلال إلى السمك في الكويت، فهذا نذير شؤم لأوجه الفساد في مختلف مفاصل الدولة وثرواتها العامة، ولعل لسان حال المواطن المقاطع للسمك يعكس هذا التذمر، ولكن على طريقته الخاصة!

رغم أن الإسقاط المهم الآخر على نجاح مقاطعة السمك يحمل دلالات جميلة فإنه محزن من جانب آخر، فقد تولدت الإرادة الشعبية الساخطة على ارتفاع سعر السمك، ولله در صاحب هذه المبادرة التي انطلقت بتغريدة من حروف قليلة، فوحّدت الكويتيين رغم الأجواء القاتمة، ليثور التساؤل المحزن: إذا كانت بطوننا قادرة على توحيدنا تحت سقف سوق السمك، فأي مصيبة هذه أن قلوبنا وعقولنا ووجداننا ليست قادرة على جمعنا تحت سقف سماء الكويت، وكأن لسان حالنا يقول "خلوها تخيس"؟!