في الوقت الذي يكفل فيه الدستور للافراد حق التنقل وعدم منعهم من السفر إلا وفق النصوص المنظمة لذلك في القانون، إلا أن النيابة العامة والادارة العامة للتحقيقات تقومان بمنع المتهمين على ذمة القضايا الجزائية من السفر تحت ذريعة تطبيق نص المادة 37 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية التي تعطي لجهة التحقيق اللجوء إلى أي وسيلة أخرى لا تخالف الآداب العامة او لا تضر بحريات الافراد وحقوقهم، وتعتبر منع السفر من تلك الوسائل رغم عدم النص عليها في قانون الاجراءات، فضلا عن أنها تتعارض مع حريات الافراد.
ورغم عدم تنظيم المشرع الكويتي قانون الاجراءات للتظلم من قرارات منع السفر التي تصدرها جهات التحقيق في النيابة العامة والادارة العامة للتحقيقات فان أحكام القضاء اعتبرت ان التظلم عليها يكون أمام الجهة التي تصدرها إن كانت تصدر من النيابة العامة فيكون التظلم عليها أمام النائب العام، وإذا كان المنع من محكمة الجنايات فيكون التظلم أمام رئيس دائرة الجنايات.وعلى الرغم من توجه القضاء الكويتي بعدم اختصاص القضاء بمراقبة القرارت التي تصدرها جهات التحقيق، فإن القضاء المصري انتهى في حكم دستوري في 24 يونيو الماضي إلى اختصاص القضاء العادي بالرقابة على القرارات التي تصدرها جهات التحقيق ومنها منع السفر وليس القضاء الاداري.وعن الطبيعة القانونية للإجراءات الذي تقوم بها جهات التحقيق كمنع السفر، يقول الخبير الدستوري، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي ان القانون نظم منع السفر بأمر من قاضي التنفيذ للاستيثاق من أداء الدين أما في التحقيق الجنائي فلا يوجد نص أعرفه يقرر هذا الحق بشكل واضح لسلطات التحقيق، لافتا الى أن منع السفر ليس من ضمن الإجراءات التحفظية التي يذكرها قانون الإجراءات الجزائية الكويتي في نص المادة 37 منه.واوضح الفيلي أن قانون الإجراءات الجزائية لا يوفر أساسا قانونيا سليما في الموضوع يسمح بايقاع منع السفر فالمادة ٣٧ تنص على انه «يجوز في التحريات وفي التحقيق البحث عن الادلة المادية والشفوية المتعلقة بالجريمة بالوسائل التي نظمها هذا القانون، كما يجوز الالتجاء الى اي وسيلة اخرى اذا لم تكن فيها مخالفة للآداب او اضرار بحريات الافراد وحقوقهم، اما الاجراءات التحفظية المقيدة لحرية المتهم فلا يجوز، لا في التحريات ولا في التحقيق، القيام بها الا في الحدود المنصوص عليها في هذا القانون، وبالقدر الذي تستلزمه الضرورة».واشار الى ان اجتهاد النيابة العامة استنادا الى فكرة حماية النظام العام يلزم أن يتم التعامل معه بأضيق نطاق، ولعل توجه النيابة العامة الى الحبس الاحتياطي ناتج جزئيا عن عدم وجود تنظيم تشريعي لاختصاص بمنع السفر لمصلحة التحقيق، مضيفا انه في غياب وجود تنظيم تشريعي، «فانني اميل الى القول اننا بصدد قرار إداري يتم الطعن به أمام القاضي الإداري وإن قرر القاضي الإداري عدم اختصاصه يلزمه تعيين المحكمة المختصة».وقال الفيلي: «من المنطقي وضع تشريع يضع أساسا واضحا لاختصاص جهة التحقيق بمنع السفر فممارسة هذا الاختصاص استنادا الى الاجتهاد ليس بالأمر المرغوب فيه ومن المنطقي أن ينظم هذا التشريع الضمانات المتصلة بتقييد حرية السفر مثل وجوب التسبب وتحديد المدة وتحديد أسلوب الطعن بالقرار، أما التظلم منه فلا يحتاج الى نص خاص».المحكمة الإداريةمن جانبه، قال أستاذ القانون الإداري في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة: «مما لا شك فيه أن النائب العام لا يعد جزءاً من السلطة التنفيذية إنما أحد أركان السلطة القضائية، وبالتالي لا تختص المحكمة الإدارية بالفصل في الطعون المرفوعة على أي من قراراته، وبطبيعة الحال فإن مثل هذه القرارات لا تعد كذلك من قبيل أعمال السيادة، التي تخرج عن ولاية القضاء، وهاتان المقدمتان توصلنا إلى الاعتراف بالمحكمة العادية المختصة بالفصل في ما يطعن عليه من قرارات صادرة من النيابة».وبين قائلا ان «المسألة تكون أكثر دقة بالنسبة لقرارات جهات التحقيق في الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية، فإنها إن ألحقت بالوزارة أخذاً بالاستثناء الوارد في المادة ١٦٧ من الدستور فإنه بحسب طبيعة تلك القرارات المتشابهة في أهدافها ونتائجها مع تلك الصادرة من النائب العام ينبغي أن يختص بها القضاء العادي لا المحكمة الإدارية كذلك».ويضيف الحميدة عن اختصاص القضاء الذي ينظر هذا النوع من الطعن على قرارات النيابة قائلا «ان لجرائم الأحداث محكمة الأحداث، ولجرائم قانون أسواق المال محكمة أسواق المال بالنسبة للجنح الخاصة المحكمة المختصة، وهكذا بحسب ما المحكمة التي سينعقد لها الاختصاص في ما لو قررت جهة الادعاء رفع الاتهام أمامها».قرارات قضائيةأما أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري فيقول «نظراً لأن قرارات منع السفر التي تتخذها النيابة العامة هي قرارات قضائية وليست إدارية، وهو مبدأ أقرته محكمة التمييز الكويتية، لذلك يتعذر الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية، فهي تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية من حيث التظلم على قرارات النيابة العامة، وكذلك القرارات التي تتخذها المحاكم أثناء نظر الدعوى الجزائية».ويضيف الكندري «إن التظلم من قرار منع السفر يكون أمام الجهة مصدرة القرار دون تحديد لمواعيد أو عدد المرات أو المدة التي يلزم الرد عليها من قبل النيابة العامة أو المحكمة مصدرة القرار، ودون إلزام منها بالرد، إلا أن المشرع قد نظم قرار منع السفر الذي تتخذه النيابة العامة في قانون حماية الأموال العامة، وقانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والقانون الخاص بإنشاء هيئة أسواق المال».وأوضح أن الملاحظ أن المشرع قد أحسن تنظيم القرارات التي تتخذها النيابة في تلك القوانين، ومن بينها قرار منع السفر وإن لم يحسن توحيدها، لكن ذلك يؤكد أن النيابة العامة تتخذ قرار منع السفر في القضايا الجزائية في غير تلك القوانين دون سند من القانون، مبيناً أنه «يجب على المشرع أن ينظم إجراءات اتخاذ النيابة العامة قراراتها في منع السفر أثناء التحقيق مع إمكانية التظلم منها، تأكيداً على حق الفرد في التنقل وحقوق المشتبه فيهم أو المتهمين».ويؤكد الكندري أن من أصدر قرار منع السفر هو المختص بالنظر في التظلم، «ففي مرحلة التحقيق النيابة العامة هي المختصة بنظر التظلم من منع السفر، وفي مرحلة المحاكمة التظلم يكون أمام نفس المحكمة التي تصدر منع السفر على المتهم باستثناء القوانين التي نظمت أمر الطعن كحماية الأموال العامة أو سوق المال والأحداث».وعن كيفية الطعن على قرارات النيابة بالمنع خصوصاً أنها هي من تمنع، وهي من تقرر رفع منع السفر يقول الكندري، إن «السلطة كاملة للنيابة العامة، وهذا قصور تشريعي كبير، خصوصاً أن قرار منع من السفر قرار قضائي لا يجوز التظلم منه أمام المحكمة الإدارية ولم ينظمه المشرع في الجانب الجنائي». «النيابة»: إجراءاتنا قضائية ولا تخضع للطعنأكدت مصادر رفيعة المستوى في النيابة العامة لـ«الجريدة» أن القرارات التي تصدرها النيابة، سواء بالحجز أو الحبس أو منع السفر أو تجميد الأموال، هي قرارات مرتبطة بالتحقيقات التي تجريها، وبالتالي فهي قرارات قضائية لا يجوز الطعن عليها، لافتة إلى أنه سبق لقضاء محكمة التمييز أن حسم أمر الطعن على تلك القرارات وانتهى إلى عدم اختصاص القضاء بالرقابة عليها، وأن الطريق الوحيد هو بالتظلم عليها أمام النائب العام، وللأخير أن يقرر الرفع أو الرفض.وأوضحت المصادر أن «القرارات التي تصدرها النيابة، سواء المتعلقة بمنع السفر، أو الحجز، أو الحجز على الحسابات، أو تجميدها الخاصة المتهمين تكون لمبررات قانونية تراها النيابة العامة ذات أهمية ولمصلحة التحقيق الجنائي الذي تجريه».
آخر الأخبار
قرارات منع السفر من جهات التحقيق... فراغ تشريعي وتطبيق مخالف للقانون وتقييد لحريات الأفراد
07-07-2015