العنف الذي يتصدر سلوكيات بعض الشباب يبدو دخيلاً وغريباً على المجتمع الكويتي الذي لم يألفه ولم يعرفه من قبل، وهذه الظاهرة بدأت بعد انتهاء الحرب الخليجية الأولى لتحرير الكويت، وتزايدت بمرور السنين وانتشار السلاح والمخدرات والتطرف الديني والطائفي والقبلي والعنصري، حتى بات وجود بعضهم مثل القنابل الموقوتة، خطرها جاهز عند أول كبسة زر، وهو ما نراه اليوم من عنف في القيادة بالشوارع، تقتل وتصيب بحوادث تدمر الحياة أو تقضي عليها، هذا عدا عن المعارك التي تشهدها "المولات" والأسواق التجارية التي تحولت إلى ساحات للقتال عند أهون سبب، وحوادث كثيرة لا يمر يوم من دونها، ولا يخلو شارع أو منطقة منها، ولا ينحصر الأمر على المناطق الخارجية البعيدة، بل حتى المناطق الداخلية لها نصيب فيها، وهو ما حصل في منطقة اليرموك ليلة الجمعة، حين حاول شاب اغتصاب فتاة تمارس رياضة المشي في المكان المخصص لهواة المشي، الذي ينقسم إلى قسمين، الأول إضاءته قوية، والفلل السكنية قريبة منه، والثاني إضاءته خافتة، ومحاط بالأشجار، وامتداده واسع، ما ساعده على اللحاق والاختلاء بها، ولولا سماع أحد المارة بالمصادفة صراخها ونجدتها لتمكن منها، الأمر الغريب أن يحدث هذا في منطقة سكنية داخلية فيها مخفر قريب من مكان الرياضة والممشى، في وقت مبكر حوالي الثامنة والنصف مساء، وحركة الناس وعبور السيارات في الشارع العام مازالت في أوجها، وهذه ليست الأولى، بل هناك سوابق لها، وكلها تدل على حالات العنف والتهور والانفلات التي يمارسها البعض دون الخوف من العقاب القانوني، فلا رادع أو حساب يخيفهم، ولا توجد سيطرة قوية حقيقية تلجمهم وتقضي على هذا العنف الإجرامي من جذره.
لا أدري إن كانت هناك دراسات وأبحاث اجتماعية جادة حول هذا الموضوع، وأظنها موجودة بأي شكل كان، لكن هل تم الأخذ بتوصياتها؟ وهل تم تطبيقها بجدية وانضباط حقيقي يدرك مدى حجم المشكلة ويوقفها بإيجاد حلول جادة لها؟أعرف أنها مشكلة متشابكة الأطراف ومعقدة، ويجب المسارعة إلى حلها بمنع انتشار المخدرات بأنواعها، ووقف صناعتها المحلية المسماة بـ"الشبو"، المخدر القاتل الرخيص الذي ساعد على زيادة العنف وانتشاره وتعاطيه، هذا إلى جانب دعاة الأفكار الهدامة وغرسهم للعنف الإرهابي في عقول الشباب، وزرع الكراهية بكل أشكالها ضد المختلف، وعدم قبول الاختلاف في الرأي أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة وغيرها، يجب وقف كل من يحاول اللعب بعواطف وعقول الشباب، ودفعهم للعدوان، ورفض الرأي الآخر بأي مظهر من مظاهر التطرف.الشباب طاقة رهيبة إن لم يُحسن توظيفها تصبح مدمرة لما حولها، لذا يجب أن تقوم الجهات المختصة برعاية الشباب بوضع أهداف تستقطب الشباب وتستفيد من طاقاتهم في مشاريع اجتماعية واقتصادية وثقافية ورياضية تفيدهم وتفيد مجتمعهم، فمثلا في إنجلترا تقوم الدولة بإنشاء أفضل النوادي والمنشآت الرياضية وأجملها بأموال الضريبة التي تأخذها من الأغنياء لتنفقها على المناطق الفقيرة التي يحتشد سكانها في أكواخ وبيوت صغيرة لا تسعهم إلا بالكاد، ولولا وجود هذه الحدائق الرائعة والنوادي الشاملة الواسعة التي تمتص كل طاقات الغضب والعنف والإحساس بالدونية لعمت الفوضى واجتاحت مظاهر العنف البلاد ودمرتها، لكن الذكاء والحنكة الإنجليزية أدركت حجم المشكلة في التفاوت الطبقي، وما يتركه من أثر على الشباب وإحساسهم بالنقص والحاجة إلى ما يستمتع به الأثرياء من مظاهر المتع والراحة، فقامت بتوفيرها لهم، وبهذا الحل الذكي امتصت غضبهم وعنفهم بما وفرته لهم من أموال الضريبة التي يدفعها المواطن الإنجليزي حتى يضمن العيش في أمان وراحة، فنتمنى أن تنشئ الدولة النوادي الفخمة الشاملة لكل الأنشطة الرياضية التي تستقطب الشباب ولا يتمكنون من تدبير اشتراكاتها.ملحوظة: أتمنى من مختار اليرموك أن يقوم بوضع كاميرات في الممشى، وأن تُربط مع المخفر حتى تراقب وتسجل ما يجري فيه، لمنع كل من تسول له نفسه القيام بالتصرفات الخطيرة، وأن يطلب من الجمعية إضاءة قوية تكشف المكان كله، حتى لا يصبح مجالا لأي نوع من أنواع الجريمة، فسلامة المشاة خاصة النساء أمانة في رقبته، وإن كتب الله النجاة لهذه الفتاة فربما لن يتاح لأخرى نفس فرصتها.
توابل - ثقافات
عنف بلا لجام
21-12-2015