لنعِد عقارب الساعة إلى الوراء ونعُد إلى عام 2015، عندما كان مؤيدو الصفقة النووية الإيرانية يقدّمون الحجج على أنها ستساهم في نشر الاستقرار في الشرق الأوسط، على سبيل المثال ادعت مجموعة من الباحثين في مجال العلاقات الدولية وخبراء الشرق الأوسط في عريضة:

Ad

صحيح أن خطة العمل المشتركة الشاملة تشكل في المقام الأول اتفاقاً يحد من انتشار الأسلحة النووية ويقطع بنجاح كل دروب التسلح أمام برنامج إيران النووي، إلا أنها تحمل في طياتها أيضاً أوجهاً إضافية مهمة تعزز السلام بجعل الدبلوماسية والحوار متوافرين لحل الخلافات، ولا شك أن هذه خطوة ضرورية لمعالجة كل مصادر التوتر في المنطقة، وخصوصاً الإرهاب، والطائفية، والأنظمة الأحادية.

تعاني هذه المنطقة نقصاً في الدبلوماسية، ونتيجة لذلك يُعتبر واقع عودة الولايات المتحدة وإيران للحوار بحد ذاته عاملاً ينشر الاستقرار في الشرق الأوسط ويشجع الخصوم الإقليميين على السعي وراء الحوار بدل الحرب بالوكالة.

يبدو أن هذا يتلاءم مع تفكير أوباما، الذي أوضح يوم عقد الصفقة مع إيران: "ببسيط العبارة، لا تعني أي صفقة المزيد من الحروب في الشرق الأوسط".

أعود إلى كل هذه التفاصيل لأنني أزور أبوظبي راهناً، ويبدو جلياً أن توقعات عام 2015 تلك لن تتحقق في عام 2016، فكما ذكر جاستن فيلا من صحيفة National، بدأت الأوضاع تزداد توتراً.

عملت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها على تعزيز عزلة إيران أخيراً مع تنامي الغضب بسبب الاعتداءات على بعثات الرياض الدبلوماسية في هذا البلد.

عُلقت الرحلات الجوية بين المملكة العربية السعودية وإيران، حسبما أعلنت سلطات الطيران المدني في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية.

في هذه الأثناء، استدعت الإمارات العربية المتحدة سفيرها إلى إيران يوم الاثنين، بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية، والبحرين، والسودان كل العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

تحولت العداوة المعتملة تحت الرماد إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة بعد أن تعرضت بعثات المملكة العربية السعودية الدبلوماسية للاعتداء وأضرمت في مقرها النيران صباح يوم الأحد، إثر إعدام المملكة عددا من السجناء، معظمهم من المجاهدين السنة المرتبطين بتنظيم القاعدة، فضلاً عن نمر النمر، زعيم شيعي من شرق السعودية.

كما ذكر زميلي في Washington Post ليز سلاي وبراين مورفي، انضمت الكويت إلى هذه المعمعة واستدعت سفيرها من طهران أيضاً.

لا بد من أن نوضح: أساء الجميع التصرف، لكن السعوديين سرعوا هذه الأزمة بإعدام النمر، ولا شك أن الرياض توقعت هذا النوع من التوتر الدبلوماسي.

إذاً، لمَ قاموا بأمر مماثل؟ يلقي إيلي لايك من Bloomberg News اللوم على الصفقة الإيرانية، أو بالأحرى على تداعيات الصفقة الإيرانية على الدعم الأميركي للمصالح السعودية:

تعود أصول المشكلة بالنسبة إلى الدول العربية السنية إلى الصفقة النووية التي عقدتها الصيف الماضي إيران مع الأمم الغربية، فعندما روّج البيت الأبيض لهذا الاتفاق في الكونغرس وبين حلفائه في الشرق الأوسط، كانت رسالته واضحة: لا شيء في هذه الصفقة قد يمنع الولايات المتحدة من فرض عقوبات على إيران في المسائل غير النووية. إلا أننا لم نشهد شيئاً من هذا القبيل.

قبل أيام، تراجعت وزارة المالية الأميركية في اللحظة الأخيرة عن فرض عقوبات على 11 شركة وفرداً اعتبرتهم مسؤولين عن مساعدة الحكومة الإيرانية على تطوير برنامجها للصواريخ البالستية في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة. فقد أخبر مسؤولو الوزارة المشرعين أن العقوبات الجديدة ستُعلن في 30 ديسمبر، إلا أن هذا الإعلان لم يصدر مطلقاً.

لكن المسألة أعمق من ذلك في رأيي، فعلينا أن نعود إلى تصريحات أوباما العلنية عن أن مشاكل دول الخليج الداخلية أكبر من الخطر الذي تشكله إيران، ورغم ذلك يوضح كيفين دروم، الذي لا يتعاطف البتة مع الموقف السعودي، السبب الحقيقي وراء عدم شعور المملكة العربية السعودية بالأمان:

أخفقت الولايات المتحدة في دعم حسني مبارك في مصر خلال الربيع العربي، مما عزز الخوف من أن الولايات المتحدة قد لا تدعم القادة السعوديين، إن نجحت إيران في إشعال ثورة شعبية في المملكة من خلال الأقلية الشيعية. أتت بعد ذلك الصفقة النووية الإيرانية المكروهة، التي هددت بقلب ميزان القوى في الشرق الأوسط لمصلحة إيران. كذلك بدأت أسعار النفط المتدنية تنعكس سلباً على المملكة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة لا تحتاج راهناً إلى النفط السعودي، مما يجعل الشراكة الطويلة بينهما متزعزعة بعض الشيء. أضف إلى ذلك أن السعوديين يخوضون حرباً بالوكالة ضد إيران لا تحقق نجاحاً كبيراً في اليمن.

لا شك أن إدارة أوباما، مهما صافحت من أياد وقدمت الدعم، لن تنجح في تهدئة قلق الدول السنية عقب الصفقة الإيرانية، ورغم ذلك إذا تأملنا في أحداث السنة الماضية نلاحظ أن الإدارة لم تخصص الوقت الكافي لمنطقة الخليج، مما سيضمن استمرار إراقة الدماء في سورية، واليمن، والعراق، وما عدت أقدر على إحصاء الصراعات الطائفية في هذه المرحلة.

من المرجح أن تطبيق الصفقة الإيرانية سيمضي قدماً، ولكن من المرجح أيضاً أن تؤدي التداعيات الخارجية السلبية للتفاوض بشأن هذه الصفقة إلى جعلها أقل أهمية في الترويج لعبارة متناقضة: "الاستقرار في الشرق الأوسط".

* دانيال جورج دريزنر