التعليم في الكويت... مستوى متدن ونجاح «قياسي»
التعليم في الكويت... مستوى متدن ونجاح «قياسي»
في حين تظهر نتائج الثانوية العامة سنوياً نسب نجاح عالية تفوق 90 في المئة، يفاجأ المجتمع الكويتي بنتائج قبول الطلبة في الجامعات والمؤسسات الاكاديمية، إذ لا يتمكن بعضهم من تجاوز اختبارات القبول، رغم حصولهم على معدلات عالية في الشهادة الثانوية. «الجريدة» سلطت الضوء على هذه الظاهرة، واستطلعت آراء المتخصصين في هذا المجال.
تُعلن وزارة التربية طوال السنوات الماضية نسب نجاح مرتفعة لطلبتها خريجي الثانوية العامة بقسميها العلمي والادبي والتعليم الديني، والتي تجاوزت 90 في المئة العام الدراسي الماضي 2015/2014.ولا يخفى على أحد في الكويت تدني إمكانيات مخرجات التعليم عند انخراطهم في الدراسة الاكاديمية أو دخولهم إلى سوق العمل، حيث عبرت المؤسسات التعليمية الاكاديمية بما فيها جامعة الكويت على لسان أكثر من مسؤول عن وجود ضعف عام لدى الطلبة الملتحقين بالجامعات في مواد كثيرة وعلى رأسها المواد اللغوية والعلمية، الامر الذي يؤكد وجود خلل في المنظومة التعليمية الاساسية يحتاج إلى تدخل سريع ومعالجة جذرية للمشاكل والمعوقات التي تحول دون الحصول على مخرجات تعليمية عالية الجودة لاسيما مع ما تنفقه الدولة من مبالغ مليارية على الجانب التعليمي سنويا.وفي هذا السياق، عمدت «الجريدة» إلى تسليط الضوء على هذا الواقع المؤلم بهدف الوصول إلى الحقائق ورصد مكامن الخلل وتسليط الضوء عليها لدفع المسؤولين ومتخذي القرار الى ايجاد الحلول والبدء في تطبيق خطة انقاذ عاجلة للمنظومة التعليمية والثروة البشرية الوطنية والحفاظ عليها والاستفادة منها في التطوير والنهوض بالبلاد لتحقيق التنمية المأمولة.نسب نجاح مرتفعةبداية، أعلنت وزارة التربية مؤخرا، في مؤتمر صحافي ترأسه وزير التربية وزير التعليم العالي د. بدر العيسى نسبة النجاح في شهادة الثانوية العامة بقسميها العلمي والادبي للعام الدراسي 2014/2015، أن نسبة النجاح 91 في المئة للقسم العلمي، 86 في المئة للقسم الأدبي، واعتبر الوزير العيسى ان نسبة النجاح لهذا العام عالية مقارنة بالسنوات السابقة.وبسؤاله عن رأيه في ظاهرة ارتفاع نسب النجاح في الثانوية بشكل سنوي مع تعثر عدد ليس بالقليل منهم في اجتياز اختبارات القبول في الجامعة قال د. العيسى انه يبحث مع قياديي التعليم دراسة لوضع اختبار دولة شامل لجميع الطلبة خريجي الثانوية العامة وما يعادلها، مشيرا إلى أن هذا الاختبار سيكون بديلا لاختبار القدرات المخصص للطلبة الراغبين في دخول الجامعة.وأضاف أن هذا الاختبار سيكون شرطا اساسيا لقبول الطالب في أي من مؤسسات التعليم العالي أسوة بما هو معتمد في المملكة العربية السعودية، لافتا إلى أن عملية قبول الطلبة في جامعة الكويت تمت بسلاسة دون أي معوقات أو مشاكل.غياب التكاملمن جانبه، قال المدير العام السابق للمركز الوطني لتطوير التعليم د. رضا الخياط أن جميع الدراسات التي تمت سواء المحلية أو الدولية والتي كانت تهدف إلى تشخيص واقع التعليم في البلاد، سواء تلك التي تمت عن طريق أفراد أو مؤسسات، ومنها اختبارات تيمز وبيلرز ودراسة ميزة كلها أشارت بوضوح إلى وجود خلل في النظام التعليمي وتدني المخرجات التعليمية، مضيفا «ودون الاسهاب في هذا المجال يجب أن نتحدث عن الحلول الممكنة».وأضاف الخياط أن المركز الوطني لتطوير التعليم تبنى المدخل المتكامل في اصلاح التعليم وهذا يتمثل في البرنامج المتكامل لتطوير التعليم حيث تم توقيع اتفاقية بين وزارة التربية والمركز الوطني لتطوير التعليم والبنك الدولي لاصلاح منظومة التعليم في البلاد والتي تتضمن وضع النظام التعليمي على المسار الصحيح للوصول إلى الاهداف المطلوبة في اصلاح الخلل وتطوير التعليم ومخرجاته.وأشار إلى أنه بدون دعم المركز الوطني لتطوير التعليم «وهنا لا أتحدث عن الدعم المالي وحده بل عن الدعم المعنوي كذلك والذي لا يقل أهمية عن الدعم المالي»، مشيرا إلى أنه من الصعوبة بمكان تحقيق اهداف الاتفاقية الموقعة مع البنك الدولي لاصلاح التعليم دون تقديم دعم كامل للمركز.وشدد على أهمية تحقيق استقلالية المركز الوطني لتطوير التعليم ماليا واداريا عن وزارة التربية، لافتا إلى أن هذا الشرط أساسي لاصلاح التعليم وفتح المجال للمركز لاداء عمله بصورة متكاملة.أولوية الإصلاحوذكر أن الدولة للأسف الشديد لا تضع عملية اصلاح التعليم ضمن اولوياتها وإن كانت تضع التعليم بحد ذاته ضمن أولوياتها من خلال المبالغ المالية التي تخصص ضمن الميزانية السنوية إلا أن هذا وحده لا يكفي لاصلاح الخلل في التعليم، اذ يجب أن يكون برنامج اصلاح التعليم وتطويره ضمن أهم الاولويات لدى الحكومة.ودعا د. الخياط وزير التربية وزير التعليم العالي د. بدر العيسى وقياديي وزارة التربية إلى دعم مدير المركز الجديد د. صبيح المخيزيم في اداء مهمته في تعزيز دور المركز الوطني لتطوير التعليم لما لعمل المركز من أهمية قصوى في تحسين المنظومة التعليمية وتطوير أدائها ما يصب في مصلحة الكويت وأبنائها.إلى ذلك، أكد وكيل المناهج والبحوث التربوية بوزارة التربية د. سعود الحربي وجود خطة كاملة وشاملة لتطوير جميع المناهج الدراسية، مشيراً الى أن هذه الخطة جاءت وفق ضوابط معيّنة تتلخص في التركيز على الأثر الإيجابي الواقع على التعليم.وقال د. الحربي ان التربية تعمل على تطوير مناهج المرحلة الابتدائية بنسبة 100 في المئة، موضحا ان اللجان تعمل حاليا على إعادة النظر في مناهج المرحلة المتوسطة، من حيث عدد المواد الدراسية ومحتوياتها، وفق المعايير التي تم رسمها خلال العامين الماضيين. وأشار الى نقلة نوعية ستشهدها المرحلة الابتدائية العام المقبل، وذلك بالتركيز على المهارات الأساسية مثل القراءة، والكتابة، والحساب، وكذلك صعوبات التعلم، ومفاتيح المعرفة، مبينا ان البدء في تطوير مناهج المرحلة الثانوية سيكون بعد الانتهاء من الابتدائي والمتوسط.وشدد على أن قضية تطوير المناهج مستمرة وواجبة طبقا لمتطلبات الواقع الذي نعيشه، لافتا الى ان مادة العلوم سيطرأ عليها بعض التعديلات والحذف حيث سيتم تقليص المنهج بين 30 و40 في المئة، وكذلك تعديل مناهج الرياضيات، إضافة إلى أن بعض المواد الدراسية بحاجة الى اعادة برمجة، كالتقليل من عدد الصفحات والدروس التي أرهقت الطالب والمعلم.ولفت إلى أن عملية تأليف المناهج الدراسية ليست بسيطة فهي تبدأ بتشكيل لجان التوصيف والبناء للمنهج الدراسي، حيث يقوم القطاع بمراسلة الجهات العليا في الوزارة لمخاطبة الجهات المتخصصة في المنهج، سواء في التوجيه العام أو في الجامعة او التطبيقي، ومن ثم إبلاغها بترشيح بعض الأكاديميين لتشكيل لجان التوصيف والبناء التي تعد تقريراً متكاملاً عن المنهج وفق خبراتها، ثم تسلم التقرير إلى قطاع المناهج الذي يقوم بالمراجعة من قبل باحثين تربويين متخصصين كل في مجاله الدراسي، على أن تعتمد بعد ذلك لجنة التوصيف والبناء التقرير بشكل نهائي وتصرف للجنة مستحقاتها.وأضاف د.الحربي: «يتم بعد ذلك مخاطبة الجهات المختصة مرة أخرى حول تأليف كتاب مدرسي، وتشكل لجنة أخرى للتأليف ليس لها علاقة باللجنة الأولى، فتأخذ تقرير التوصيف والبناء للاسترشاد به، ومن ثم تصدر التقرير على شكل كتاب مدرسي في أوراق مفهرسة، وعلى قرص مدمج مدعم بالصور الخاصة بالمحتوى العلمي للمادة مع التأكيد على الالتزام بالمصدر العلمي والمراجع»، لافتا إلى أن الخطوة الأخيرة في تأليف المناهج هي تحويل الأوراق إلى مجلد مدرسي ينزل إلى الميدان من خلال مناقصات للطباعة، تتم عبر مجموعة من الشركات المحلية والعالمية.14.6 ألف طالب حصلوا على 80% فأكثر و5014 طالباً على 90% فأكثرأظهرت نتائج الثانوية العامة الاخيرة للعام الدراسي 2015/2014 حصول 5014 طالبا وطالبة على نسبة 90 في المئة فأكثر من اجمالي الطلبة الناجحين الذين يقدر عددهم بـ28 ألفا 536 طالبا وطالبة، أي ان نسبة الطلبة الذين حققوا نتائج فائقة بلغت 17.57 في المئة من عموم الطلبة الناجحين.ووصل عدد الطلبة الذين حققوا نسبة 80 في المئة فأكثر الى 14 ألفا و574 طالبا وطالبة أي بنسبة 51 في المئة من اجمالي الطلبة الناجحين وهي نسبة مرتفعة اذا ما قرونت بعدد الطلبة الذين يتمكنون من اجتياز اختبارات القبول في الجامعات والمؤسسات الاكاديمية سواء محليا أو خارجيا.وتعكس النتائج أمرين لا ثالث لهما، إما تساهل وزارة التربية في عملية اختبارات الثانوية العامة ووجود نظام أسئلة يجعل الطلبة يحصلون على نسبة مرتفعة دون بذل مجهود، أو وجود اختبارات قبول تعجيزية تضعها الجهات والمؤسسات الاكاديمية تجعل تجاوزها من الطلبة خريجي الثانوية أمرا بالغ الصعوبة.دراسة الفريق السنغافوري: معرفة الطلبة الكويتيين سطحية... والمناهج تحتاج إلى تغيير جادأكدت دراسة أعدها فريق سنغافوري تربوي عن واقع التعليم في الكويت أن التلاميذ الكويتيين لديهم معرفة سطحية بسيطة ويحتاجون إلى تطوير المعرفة للمستوى المطلوب للقرن ال 21، مشددة على ضرورة تغيير محتويات المناهج بشكل جاد، وتأكيد دور التكنولوجيا كأداة في التعليم.ودعت الدراسة التي اعدها الفريق السنغافوري الذي زار البلاد العام الماضي إلى التركيز على تدريس اللغة الإنكليزية كلغة ثنائية مع اللغة الأم، إضافة إلى العلوم والرياضيات، مؤكدة أن هناك خللاً في عملية التعليم وأن تقييم المعلمين يقوم على خلل فادح في منح جميع المعلمين تقدير امتياز من دون تقييم المستوى الحقيقي، مما يعني أن تقرير «الامتياز» يمنح بشكل عشوائي.ارتباط المناهجوأشارت الدراسة إلى أن واقع التعليم في الكويت متدهور، وأن معرفة الطلاب سطحية في كثير من المعارف والعلوم، وانتقدت واقع المناهج التي وصفتها بالمثقلة بمحتواها وموضوعاتها والتي تصل إلى 14 مادة يدرسها الطلاب وأن المعلمين يشعرون بضرورة اعادة تصميم المناهج بطريقة أفضل، كما أن الموضوعات في هذه المناهج لا يرتبط بعضها ببعض وتعطي انطباعا بأن كل موضوع مستقل عن الآخر و»لا نرى ارتباطا بين الفيزياء والكيمياء والرياضيات والجغرافيا».وأوضحت الدراسة أن الاجراءات المطلوبة هي في مراجعة وتنقيح المناهج الحالية واشراك أهل الميدان من مديري مدارس ومعلمين في عملية وضع المناهج مع مراعاة أن تكون تلك المناهج متكاملة ومترابطة مع اهمية إعداد المعلمين بشكل أفضل بحيث يمكنهم تسليط الضوء على ترابط واتساق المواد الدراسية، لافتة إلى أهمية التحول من استدعاء المعلومات التي حفظت عن ظهر قلب إلى تطبيق النظريات على مواقف الحياة الحقيقية.وفيما يخص التكنولوجيا التعليمية أكدت الدراسة أن التكنولوجيا تلعب دورا مهما في الحياة اليوم، فالأطفال والشباب اصبحوا مواطنين رقميين، وبالتالي لابد من مواكبة التطورات التكنولوجية واستخدامها في تحسين جودة التعليم والتعلم من خلال تطوير المعلمين والعاملين في مجال التعليم في كيفية الاستخدام الامثل لهذه التكنولوجيا، وكذلك تطوير محتوى الجودة من التعليم الالكتروني والمكتبات الالكترونية وترجمة النصوص والمواد التعليمية إلى اللغة العربية وبالعكس، لافتة إلى وجود معلمين قاموا بمبادرات جيدة في بعض المدارس فيما يتعلق بالتعليم الالكتروني.