زين عبد الهادي: أخشى نزوات القلم وكتبت الشعر مبكراً ولم أجرؤ على نشره

نشر في 28-10-2015
آخر تحديث 28-10-2015 | 00:01
No Image Caption
بعد إصداره خمس روايات نالت احتفاءً نقدياً واسعا يستعد الكاتب والروائي المصري الدكتور زين عبد الهادي لإصدار ديوانه الشعري الأول «في محبة المخبربن»، ويؤكد أن كتابته للشعر جاءت في مرحلة مبكرة ولكنه لم يجرؤ على نشره، فضلاً عن عدم امتلاكه أنذاك التجربة اللغوية الغنية التي يتطلبها الشعر «على حد قوله». في هذا الحوار يتحدث عن تجربته الشعرية الجديدة وأعماله الروائية ومسيرته الأدبية .
تستعد الآن لإصدار أول دواوينك الشعرية، فلماذا جاء الشعر في هذه المرحلة، حيث اعتدنا أن يبدأ الكاتب حياته بالشعر ثم يستمر في كتابته أو يهجره للرواية؟

ثمة مقولة قرأتها في صغري بأن كل كاتب يبدأ شاعراً، بدأت شاعراً لكني لم أجرؤ على نشر ما أكتب، إضافة إلى أن الشعر يحتاج إلى تجربة لغوية، وموسيقية كبيرة، ربما لم أكن أملكها في ذلك الحين، لكني سعيد بهذا الديوان للغاية، لأني بدأت في نشر أشعاري منذ سبع سنوات تقريبا لكني تشجعت أخيرا.

  هل تعُد رواية {دماء أبوللو} التي كتبتها عن مدينتك بورسعيد سيرة ذاتية لك؟

لا يمكنني الإدعاء بأن رواية {دماء أبوللو} هي سيرة ذاتية لي، إنما هي ليست أكثر من شذرة، بيضاء صغيرة من حياة كاتب ما، وربما من أحلامه أو أخيلته، ربما فيها الحقيقة وربما لا تمت إلى الحقيقة بصلة، لكنها عن الألم المادي للمدينة، الأرض والمكان يتألمان أكثر من الإنسان ذاته، دعيني أذكرك بحرب طروادة ونهايتها، ماذا فعل المنتصر أجا ممنون؟ حرق الأرض، وألقى عليها الملح حتى لا ينبت فيها زرع، هذا هو ما أراه، القضاء على المكان يعني القضاء على البشر، القضاء على الروح الإنسانية تنتهي وتبدأ بالمكان، والمكان هو عصب الرواية، حتى الآلهة يمكن العثور عليهم دائماً، ولكن إذا وجدت الأرض، كنت أبحث عن قراءة حقيقية للرواية، لكن ذلك ما حدث لم تصل رسالتي إلا للندرة من النقاد، الأمر أكبر من مجرد كتابة رواية أو سيرة ذاتية، أكبر من السرد، والأمر أكبر من الإنسان، إنه يتعلق بتاريخ المكان، حيث المكان أقوى شخصيات الوجود. لا مكان صالحاً للحياة كتبت عنه القصص والروايات. انظري إلى هيرودوت، إنه يعشق الأماكن، وعشقه للمكان أنار له حقول الأساطير، فكتب ما كتبه.كذلك نجيب محفوظ وكل عظماء السرد تقريباً، أعمالهم كافة عن المكان. المكان أسطورتنا جميعاً حين نختلط به يسحقنا كتراب الأرض التي يحتلها فنصير جزءاً عضوياً منه، نحن كالبذور التي يجب أن تجد المكان المناسب، الآلهة القديمة ماتت وخلقت في المكان، لقد تتبعت تاريخ حياة الإله القديم، كيف ظهر وكيف مات، أو كيف يمكن أن يموت، وعلاقته بالمكان والإنسان، الحداثة تضع الإنسان في الصدارة ، الخيال يمنح المكان سحره الذي لا ينتهي، والصدارة للإنسان في خياله، وقدرته على تجديد هذا الخيال، لقد أردت أن أقدم تاريخاً ما للخيال الإنساني وكيف ينشأ، هذا معنى الطفل في الرواية، فيما يمنحه المكان كل شيء بعد ذلك، إنها سيرة ذاتية للمكان وليس لشخص، للإنسانية كلها إذا أردت الحقيقة.

 تعيد رواية {أبوللو} الأسطورة الإغريقية في الستينيات، زمن الرواية، هل ترى أننا بحاجة إلى الأسطورة في الوقت الراهن؟

كلنا يكتب الرواية بأكثر من مسار، المسار العادي المتمثل في الحكاية والمتعة التي تجلبها للقارئ، والمسارات الأخرى المتعلقة بالأفكار الحقيقية التي أريد الحديث عنها وحولها على سبيل المثال، وعلى القارئ أن يفكر معي. لا أبحث عن قارئ كسول، فقد انتهى هذا القارئ، ولا عن ناقد يقول ما يجب وما لا يجب، فهذا أيضاً ناقد انتهى، أما مسألة اختيار الأسطورة الإغريقية، فسببه المكان الذي أتحدث عنه. أحكي عن مدينة بورسعيد، إحدى المدن التي تقع على شاطئ المتوسط الذي شهد حضارات متعددة أشهرها الإغريقية، كذلك عشت وسط كثير من اليونانيين في الطفولة، مما يجعلني أجد أن الضرورة للعمل هذا تحديداً أن يكتب بهذه الطريقة، وتعمدت اللغة التي تتضمّن أيضاً الكثير من اليونانية، حتى أخطاء اللغة وتمددها السردي، ذلك كله متعمد. جمال هذا العمل أنه أعطى صورة دقيقة للواقع في لحظة ما، وصورة أكثر دقة للخيال، وصورة كاملة للطفولة وما يمكن أن تفعله، كما أن هناك حدودا دينية للعمل، لا يمكن أن تسمح بها الديانات السماوية، وعلى الكاتب أن يجد طريقة ما لهذه المعالجة، من هذا الإله الذي يمكن خلقه وتحطيمه إلا إذا كان خارج هذه الديانات، لن يسمح أحد بشيء من ذلك في خضم ما نعيشه من فوضى، لذلك تجدين لدي إجابة جاهزة، كنت قد حصلت عليها منذ بدأت أفكر في كتابة هذه الرواية منذ ثلاثين عاما، ولكنها كانت مجرد فكرة، لم أستطع تنفيذها إلا عام 2004 وكنت بالمستشفى وأنا أكتبها، فاستطاعت أن تمنحني القدرة على النهوض من المرض، ومنحتني القدرة على التواجد في عالم الأدب والرواية بجدية كاملة.

 تشهد روايتك {أسد قصر النيل} على مدى انشغالك بالتجريب، فما ضرورته للكاتب وما هو مفهومك للحداثة؟

يظل الكاتب كاتباً ما دام يبحث عن درته في الكتابة، يبحث عن رواية بمعنى جديد، وعن سرد مختلف، عن أرض بكر في السرد لم يطأولها أحد، ربما قلت إن الطريق مغلق، ولكن عالم المعلومات فتح لنا طريقاً ضيقة يمكننا النفاذ منها، كما فعلت ألف ليلة وليلة، وكما فعل سربانتس في رائعته {دون كيخوته} وكما فعل نجيب محفوظ في {أولاد حارتنا}، وكما فعل كل كاتب عظيم في تاريخ الرواية، كل واحد منا يبحث عن طريق خاص للكتابة، وفي الوقت نفسه على هذا الطريق أن يفتح أبواباً جديدة للكتابة الإبداعية، إنها معضلة بالمقاييس كافة.

في ما يتعلق بالحداثة، نشرت مقالات عدة بعضها مترجم حول ما بعد الحداثة وعلاقتها بمجتمع المعلومات، ويقيني أن ظاهرة ما بعد الحداثة كانت قد وصلت إلى طريق مسدود في الأدب، مجتمع المعلومات يفتح طريقاً جديداً يتعلق بمفهوم الخيال الإنساني.

أكبر الأخطاء

• هل يخيفك نشر ما تكتبه؟

ما يخيفني حقاً ألا أقدم ما رغبت في تقديمه. يحدث أحياناً أن أجلس للكتابة فأجدني أكتب ما لم أفكر فيه، رغم أن القضية التي أريد تناولها كانت هي الحاضرة في ذهني، إنه أكبر الأخطاء، لذلك كتبت أعمالاً كثيرة لم أنشرها، لأنها لم تلمس روحي، بل فاض بها القلم لألم ما في اللحظة الراهنة التي كنت أكتب فيها، دائماً

 أنا في حرب مع الكتابة، صراع لا ينتهي، كثيراً ما فشلت وقليلا ما نجحت. أخاف من نزوات القلم، لأنه يطيح أحياناً بأفكار حقيقية لصالح أفكار ستمضي، بمعنى أني أخاف من تأثير السياسة على أفكاري، السياسة وحش ناعم لا يمكن الإمساك به، على أن أكون أكثر وعياً دائماً لذلك.

«فوضى الرواية»

في مواجهة

«فوضى العالم»

• ذكرت أنك تؤسس لمفهوم {فوضى الرواية}، في مواجهة {فوضى العالم} فكيف يتسنى لك ذلك؟

قلت ذلك أثناء إصدار روايتي «أسد قصر النيل» لأنها رواية كتبتها وعيني على التجريب، ربما جمعت الجديد المتعلق بمجتمع المعلومات مع الرواية العبثية مع رواية الأسطورة مع الواقعية، وحاولت أن أقدم مزيجاً يمكن هضمه يماثل ما نتعرض له في عالمنا الواقعي من فوضى سياسية هائلة، وأعتقد أني حققت قسطاً مما أردت، لكن ذلك يعود بنا إلى تأثير النظريات السياسية على الأدب كما تؤثر على العالم، فكما قيل في ما يتعلق بالفوضى الخلاقة، وكما قيل في نظرية الفوضى في الديناميكا الحرارية، كنت أحاول قياس عالم الفوضى في الرواية، ربما يوماً ما يمكن تناول ذلك من خلال الفحص النقدي.

back to top