نحن وإيران!
وكأن من لا يجد كلاماً يقوله لابد له من الاستنجاد بأمر لاكته الألسن وتفننت في الكتابة عنه الأقلام، وهذا الأمر هو إيران والعلاقات العربية – الإيرانية المتوترة في هذه الأيام، والتي ينطبق عليها قول: "إن الحب من طرف واحد غير ممكن وغير مجد"، وإن العلاقات بين الدول بحاجة دائماً وأبداً إلى الرغبة المشتركة وإلى إرادة الطرفين، وإلا فإن المسألة ستكون مجرد إضاعة للوقت كمن يحاول التهرب من الحقائق بـ"التغميس خارج الصحن"!لا في زمن الشاه محمد رضا بهلوي كانت العلاقات العربية – الإيرانية "سمناً وعسلاً"، ولا في عهد والده، مع أن الاثنين قد ضاقت الأرض بجسديهما بعد وفاتهما بما رحبت، ولم يجدا مكاناً يأويان إليه أو يؤويهما إلا أرض مصر العربية. والمعروف أن الصراع العثماني – الصفوي اتخذ طابعاً عربياً صفوياً، وأن الصفويين احتلوا العراق أو جزءاً منه سنوات طويلة، وأن هذا ينطبق على النظام الخميني الذي صفق له بعض العرب في عام 1979 حتى أدموا أكفهم.
كنا نعتقد بعد انتصار الثورة الإيرانية، في فبراير عام 1979، أن عمقنا العربي قد وصل إلى أقصى خراسان، لكننا فوجئنا قبل أن نلتقط أنفاسنا بأن هذه الثورة لا تتحدث عن تحرير فلسطين، بل عن تحرير: "الأماكن المقدسة" في العراق، وأن الأماكن المقدسة في العراق المقصودة هي كربلاء، وهي النجف الأشرف، وهي مرقد موسى الكاظم في بغداد، ومرقدا الإمامين العسكريين الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري، وأن هناك ثأراً تاريخياً وهمياً تريد تسديده.إن أمة ابتليت بـ "سايكس – بيكو" وبإقامة دولة إسرائيل في قلب وطنها العربي لا يمكن إلا أن تكون في أشد الحاجة إلى علاقات أخوية وعلاقات حسن جوار ومصالح مشتركة مع إيران ومع تركيا، فالدولتان المسلمتان جزء أساسي من تاريخنا، وهذا يعني أنه علينا أن نخطو تجاه أي منهما ألف خطوة إن خطت إحداهما نحونا خطوة واحدة. لكن ما العمل وهذا هو واقع الحال وخاصة بالنسبة إلى إيران التي اختارت التدخل في شؤوننا كل هذا التدخل، وهي التي زرعت بذرة هذا الاحتراب المفتعل بين السنة والشيعة أبناء الدين الواحد والملة الإسلامية الواحدة؟لقد استأنفنا العلاقات مع تركيا من نقطة تجاوز خلافات الماضي القريب والبعيد، وتمكنّا من احتواء بعض المنغصات، وبقيت منغصات لابد من تذليلها وبخاصة بين القاهرة وأنقرة، لكن المشكلة مع إيران أنها تصر وتواصل الإصرار على التعاطي فقط مع من تعتبرهم الأقرب إليها مذهبياً، وبالتالي سياسياً، وعلى غرار ما هو جارٍ وما يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.إن إيران ترفض العلاقات المبنية على التكافؤ والمساواة، وهي سعت ولاتزال إلى علاقات عنوانها التبعية المطلقة والاستسلام لإرادة الولي الفقيه "ظل الله على الأرض"!والسؤال الذي من الممكن توجيهه لذوي النوايا الطيبة الذين يطالبون بذهاب العرب إلى طهران حتى وهي على ما هي عليه هو: هل من الممكن إغماض العيون يا ترى عما تفعله إيران في اليمن والعراق وسورية والبحرين وبالطبع في لبنان، والذهاب إليها من دون شرط ولا قيد، كذهاب حسن نصرالله أو الحوثي أو نوري المالكي؟... هل من الممكن هذا؟ أم أن المطلوب من هذه "الدولة الشقيقة" أن تفرش طريقنا نحوها بالكف عما تفعله في هذه الدول الآنفة الذكر، وما تحاول فعله في دول عربية أخرى؟!