تعيش المنطقة العربية أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية متصدعة، من أبرز مظاهرها:
1- حالة الاضطرابات الواسعة التي يشهدها العديد من دول المنطقة.2- صعود الهويات الأدنى: الطائفية والإثنية والعقائدية، على حساب "الهوية الوطنية" و"الهوية القومية".3- تفكيك السلطة الوطنية الشرعية في عدة دول عربية لحساب ميليشيات مسلحة سيطرت على أقاليم في الدولة.4- تنامي ظاهرة "الفاعلين" من غير الدول، عبر ميليشيات عقائدية، تملك قدرات عسكرية تنافس الجيوش النظامية، وهي ميليشيات عابرة- بأيدلوجياتها وأفرعها وإعلامها- للحدود الوطنية والقومية.5- تعاظم ظواهر الانقسام والتفكك والتفتت في "النظام الإقليمي العربي".6- تصاعد الأدوار الإقليمية لدول الجوار: إسرائيل، وإيران، وتركيا، والأدوار الدولية، وذلك على حساب "الدور العربي"، سواء بالعدوان على أطراف عربية، أو باستباحة أمنها، أو التدخل في شؤونها، إو إثارة الانقسامات المذهبية بين مكوناتها وتصعيد الصرعات الداخلية بينها، بهدف زعزعة استقرارها وإضعافها. 7- التنافس على قيادة الإقليم بين قوى عربية وقوى غير عربية، وغياب دور الدولة القائدة.8- التراجع النسبي لدور "الحليف الأميركي" ونفوذه ومصداقيته.9- التقارب الغربي الأميركي مع إيران على حساب مصالح العرب والخليجيين وأمنهم.10- تغير السلوك الإيراني- بعد الاتفاق النووي- إلى نوع من البراغماتية والتوافقية مع الغرب وأميركا، لكنه بات أكثر تدخلاً في المنطقة العربية، وبالذات في دول الجوار الخليجي، وهو ما تمثل بالأحداث الأخيرة في البحرين والكويت.هذه أبرز الظواهر الخطيرة السائدة في المنطقة، والتي جعلت بعض المفكرين والمثقفين العرب، من أمثال المفكر العربي د. مصطفى الفقي والصحافي الكبير غسان شربل، يصفون وضع العرب في منطقتهم- بعد الاتفاق النووي- بوضع "الأيتام على مائدة اللئام".وإذا كانت هذه الظواهر المحبطة، في جزء كبير منها، هي محصلة للتدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة، وبخاصة "الإيرانية" منها، فإن علينا الإقرار- بصدق وأمانة- بأن الجزء الآخر، هو من مسؤولياتنا، بسبب قصورنا وإهمالنا وأوضاعنا الفاسدة وعدم مبادرتنا للإصلاح وتحصين الجبهة الداخلية التحصين الواقي من أمراض الانقسام الطائفي والديني والإثني، والذي يشكل خط الدفاع الأول ضد التدخلات الخارجية.يقول تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"، فنحن مسؤولون عن أوضاعنا المتردية، أولاً، قبل تحميلها على الآخر، وأيضاً، مسؤولون عن تغييرها لا الآخر "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ".والسؤال: كيف نغير هذه الأوضاع؟في أدبيات التنمية، قاعدة ذهبية، لمعالجة تردي أوضاع أي مشروع تنموي فاشل، تقوم هذه القاعدة على عنصرَي "الإرادة" و"الإدارة"، أي: إرادة حازمة، وإدارة سليمة، وهما كفيلتان بتغيير جميع الأوضاع التي نعانيها ونشكو منها، والحمد لله تعالى، لدى العرب من الإمكانات والطاقات والموارد والكفاءات ما يمكنهم من تفعيل هذين العنصرين، والدليل "عاصفة الحزم" التي أثبتت بجلاء فعالية الدور العربي وقدرته وقوته.استثمار قوة الدفع لـ"عاصفة الحزم":انطلاقة "عاصفة الحزم" عززت ثقة العرب بأنفسهم وقدراتهم وأهمية دورهم الإقليمي الفاعل في استعادة التوازن في موازين القوى المتنافسة والمتصارعة على الإقليم، كما جسدت، مفهوم "الأمن العربي المشترك" وفعلت "التعاون العربي" في مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية.وهي رسالة بليغة إلى كل الطامعين المتكالبين على توزيع المغانم في المنطقة، وبخاصة "جارتنا" المناكفة، التي تباهت ذات يوم بأن لها السيطرة الشاملة على (4) عواصم عربية، إضافة إلى هيمنتها على طرق الملاحة الدولية، عبر تحكمها في "مضايق" العرب."عاصفة الحزم" نسفت "الأحلام الإمبراطورية" للدورين الإيراني والتركي، وعكست حالة "التحول" العربي من "الإحباط" إلى "اليقظة" والقدرة، "عاصفة الحزم" وضعت حداً لعربدة الغزاة الطامعين في أرضنا، وأوقفت مسلسل خطف "الشرعية" على أيدي ميليشيات مدعومة خارجياً.ها هو اليمن في طريقه إلى التحرر والتخلص من ميليشيات الحوثي، وإعادة "الشرعية" وإعادة "الأمل" إلى الشعب اليمني بغدٍ أفضل، وها هي "خلايا" و"شبكات" الجارة المناكفة، تنكشف ويتم تفكيكها، يوماً بعد يوم، وإذا كان الهدف المعلن لعاصفة الحزم، إعادة الشرعية ونجدة اليمن وقطع الذيل الحوثي، فإن الهدف غير المعلن هو مواجهة كل التدخلات المخربة العابثة في المنطقة واحتواؤها.نعم، أنبتت "عاصفة الحزم" للعرب أنياباً ومخالب دفاعاً وحماية لمصالحهم وصوناً لأمتهم، فـ"لا يفلّ الحديد إلا الحديد"، في عالم لا يرحم الكيانات الضعيفة، ولا يقيم وزناً للمهمّشين.والمطلوب اليوم، منا جميعاً، ولا سيما الكتاب والمثقفين والإعلاميين، دعم جهود دولنا في استمرار قوة الدفع لعاصفة الحزم وتأييدها نحو دور عربي إقليمي، أكثر قوة وفعالية في التصدي للتدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار والأمن والمهددة للمصالح العربية.لقد آن الأوان لوضع حد لـ"العربدة" الإقليمية والدولية في ديارنا والمستبيحة لأوطاننا والممزقة لنسيجنا الاجتماعي والمنتهكة لحصانة حدودنا.هذه خلاصة ورقتي لندوة "عاصفة الفكر" بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.* كاتب قطري
مقالات
من أجل دور عربي أكثر فعالية
07-09-2015