كانت مياه النيل تمضي هادئة في نيل القاهرة، مطلع عام 1954 غير عابئة بالغليان السياسي الذي بات واضحاً في مجلس قيادة الثورة بمقره الواقع على نيل جزيرة الزمالك، مع خروج صراع محمد نجيب، وجمال عبدالناصر إلى العلن، والذي انتهى بانتصار الأخير، في وقت بدأت جماعة «الإخوان المسلمين» العمل على البحث عن حلفاء جدد، ولم تجد أفضل من الإنكليز لتوحيد الجهود ضد ناصر.
وصلت العلاقة بين «الإخوان المسلمين»، ونظام جمال عبدالناصر إلى طريق مسدود، فشهر العسل، والتحالف الوقتي في بدايات ثورة 23 يوليو 1952، انتهى سريعا بصدام عنيف، بعدما سعت الجماعة لاستخدام تنظيم الضباط الأحرار للوصول إلى السلطة، عبر إجبار الضباط على إعلان تبعيتهم للمرشد العام للجماعة، المواجهة بين الفريقين كانت على كل شيء، ولا تحتمل القسمة على اثنين، السلطة لم تكن تتسع إلا لفريق واحد، استخدمت جميع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وإذا كان الضباط استخدموا أدوات السلطة لقمع الإخوان، فإن الجماعة مضت بعيدا، وسقطت في فخ العمالة بالتحالف مع بريطانيا، قوة الاحتلال، كما تكشفه تقارير رسمية صادرة عن المخابرات البريطانية.المؤرخ البريطاني مارك كورتيس يرصد في كتابه «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، تاريخ العلاقات البريطانية الإخوانية، استنادا لوثائق أصلية في الأرشيف البريطاني، كاشفا عن أن المسؤولين البريطانيين الذين كانوا يعملون مع القصر في مصر، عقدوا أول اتصالاتهم المباشرة مع «الإخوان المسلمين» في سنة 1941، وقدموا منذ هذا التاريخ الأموال للجماعة، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان تنظيم الإخوان يعمل على التصدي لنمو التيارات اليسارية، والمعروف أن الإخوان نقلوا معلومات للحكومة للمساعدة في مطاردتها المستمرة للشيوعيين الحقيقيين والمشتبه بهم، خاصة في النقابات والجامعات.وأشار كورتيس إلى أنه في أكتوبر 1951، انتخب الإخوان مرشدهم الجديد، القاضي السابق حسن الهضيبي، حيث إنه شخصية لم ترتبط علنا بالإرهاب، واشتهر بمعارضته لعنف الجماعة في الأربعينيات، بيد أن الهضيبي عجز عن تأكيد سيطرته على الشعب المتصارعة داخل التنظيم.وذكر تقرير للسفارة البريطانية بالقاهرة في أواخر 1951 أن الإخوان «يملكون تنظيماً إرهابياً منذ عهد بعيد لم تقض عليه مطلقا إجراءات الشرطة، رغم الاعتقالات الأخيرة»، بيد أن التقرير من جانب آخر قلل من شأن نوايا «الإخوان» تجاه البريطانيين، ذاكراً أنهم «يخططون لإرسال إرهابيين لمنطقة القناة» لكنهم «لا يعتزمون جعل تنظيمهم يتصادم مع قوات صاحبة الجلالة»، ونبه تقرير آخر إلى أنه على الرغم من أن «الإخوان المسلمين» كانوا مسؤولين عن بعض الهجمات على البريطانيين، فربما كان هذا يرجع إلى «عدم الانضباط، ويبدو أنه يتعارض مع سياسة قادتهم».وفي الوقت نفسه، في ديسمبر 1951، تبين الملفات البريطانية التي رفعت عنها السرية، واعتمد عليها كورتيس في إعداد كتابه، أن المسؤولين البريطانيين كانوا يحاولون ترتيب لقاء مباشر مع الهضيبي، وقد عقدت عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه، يدعى «فرخاني بيه»، وهو شخص لا يعرف عنه الكثير ولم تكشف المصادر حقيقة اسمه، وتدل البيانات المستمدة من الملفات على أن قادة الإخوان كانوا مستعدين تماماً للقاء البريطانيين سراً، رغم دعوتهم العلنية لشن هجمات عليهم. وبحلول ذلك الوقت، كانت الحكومة المصرية تعرض على الهضيبي «رشا ضخمة» لمنع الإخوان من ارتكاب مزيد من أعمال العنف ضد النظام، حسب ما أوردت وزارة الخارجية البريطانية.وعقب قيام ثورة «23 يوليو 1952»، ساند الإخوان الانقلاب، وفقاً لتسمية التقارير البريطانية، فقد أسعدتهم رؤية فاروق وهو يرحل، والواقع أنهم كانت لهم بعض الصلات المباشرة بالضباط الأحرار، ومن بينهم أنور السادات الذي وصف دوره فيما بعد بأنه كان وسيطا بين الضباط الأحرار وحسن البنا، وقد كتب السفير البريطاني في القاهرة، السير ريتشارد بومونت، بعد أن خلف السادات عبدالناصر رئيسا في 1970، يقول: «من الواضح أنه كان واحداً من الضباط الأحرار، يتم الاعتماد على صلته بهم للمساعدة في تدعيم أهدافهم السياسية»، ومنح الإخوان قادة الثورة تأييداً محلياً مهماً، وتم الحفاظ على العلاقات الطيبة باقي عام 1952، وطوال العام التالي في معظمه.اجتماع الهضيبيوفي أوائل 1953، اجتمع مسؤولون بريطانيون مباشرة بالهضيبي، ظاهرياً لمعرفة موقف «الإخوان» تجاه المفاوضات الوشيكة بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة، في ظل نظام الضباط الأحرار، بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر، وكانت اتفاقية العشرين عاما الموقعة في 1936، والتي نظمت الوجود البريطاني في مصر، توشك أن تنتهي بعد فترة وجيزة كما هو مقرر، وحيث إن بعض الملفات البريطانية لاتزال قيد الرقابة، فليس من المعروف على وجه الدقة ما الذي حدث في هذه الاجتماعات.لكن ريتشارد ميتشل، صاحب أهم دراسة عن «الإخوان المسلمين»، خلص إلى أن دخول «الإخوان» في هذه المفاوضات تم بطلب من البريطانيين واثار صعوبات بالنسبة لمفاوضي الحكومة المصرية، موفراً «للجانب البريطاني أداة للتأثير».وأشار كورتيس إلى أن البريطانيين في سعيهم لاستطلاع وجهات نظر «الإخوان»، كانوا يرغبون في استخدام الجماعة للتدخل في شؤون الأمة المصرية، وكان الهضيبي في موافقته على إجراء المحادثات، يدعم هذه الفكرة وبذلك يضعف موقف الحكومة.وأكد الصحافي المصري محمد حسنين هيكل هذه الوقائع، كاشفاً في كتابه «ملفات السويس»، تلقي عبدالناصر لتقارير عن الاجتماعات التي عقدها الهضيبي في بيته مع المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانز، وأخبر الهضيبي البريطانيين رغبته في التحالف معهم حال الوصول إلى السلطة، على أن يمنح بريطانيا حقوقا دائمة في قاعدة قناة السويس بعد الانسحاب الرسمي لقوات الاحتلال، وهو ما جعل عبدالناصر يستشيط غضبا من هذه التقارير التي جاءت في وقت تتعثر فيه مفاوضات الجلاء مع الاحتلال البريطاني.وعلى الفور خرجت الحكومة لتدين هذه الاجتماعات بين البريطانيين والإخوان باعتبارها «مفاوضات سرية من وراء ظهر الثورة»، واتهمت المسؤولين البريطانيين صراحة بأنهم يتآمرون مع الإخوان، كما اتهمت الهضيبي بأنه قبل شروطاً معينة للجلاء البريطاني عن مصر تغل أيدي مفاوضي الحكومة، وفي الحقيقة كانت الجماعة تتلاعب بالمواقف الوطنية من أجل تثبيت مكاسب خاصة بـ«الإخوان»، فالجماعة طوال تاريخها لم تهتم إلا بتحقيق مصالحها الشخصية، فالجماعة وفقا لشهادة المستشار طارق البشري، في كتابه «الحركة السياسية في مصر»، كان اهتمامها بالقضايا الوطنية ضعيفاً منذ الأربعينيات.فرق تسدويقول صاحب كتاب «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، إنه يبدو من المعلومات المحدودة المتوافرة، أن الاستراتيجية البريطانية في التعاطي مع المشهد المصري، هي استراتيجية «فرق تسد» التقليدية، والتي تهدف لاكتساب «وسيلة للتأثير على النظام الجديد في سعيه لتحقيق مصالحه»، واستغلال البريطانيين للإخوان المسلمين لم يكن يمكن إلا أن يفاقم التوترات بين النظام والإخوان ويقوي مركز الجماعة.وبينت مذكرات داخلية بريطانية أن مسؤولين في لندن أخبروا عبدالناصر عن بعض اجتماعاتهم مع الهضيبي وغيره من أعضاء جماعة «الإخوان»، وطمأنوه بأن لندن لا تفعل شيئاً في الخفاء.بيد أن حقيقة إجراء المفاوضات نفسها زرعت بلا ريب الشك في عقل عبدالناصر، بشأن جدارة «الإخوان» بالحصول على ثقته، وفي ذلك الوقت، كان المسؤولون البريطانيون يعتقدون أن الإخوان وجماعتهم شبه العسكرية، رهن إشارة النظام المصري، في إطار مقاربة الجماعة القائمة على تأييد بلا تحفظ للضباط الأحرار مقابل الدفاع عن نظام يوليو بسخاء، في مقابل تنفيذ أجندة الإخوان الخاصة، الهادفة إلى إحكام قبضة المرشد على السلطة من وراء ستار.وتحتوي ملفات الأرشيف البريطاني على مذكرة تتضمن تفاصيل اجتماع عقد بين المسؤولين البريطانيين، والإخوان في 7 فبراير 1953، أخبر فيه شخص اسمه «أبورقيق»، وهو قد يكون القيادي الإخواني صالح أبورقيق، المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانز، أنه: «إذا بحثت مصر في كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا»، وفسرت السفارة البريطانية في القاهرة هذا التعليق بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا، حتى وإن لم تتعاون مع الغرب، إذ كانوا عديمي الثقة في النفوذ الأميركي.ويرد في ملاحظة مكتوبة بخط اليد في جزء من مذكرة السفارة: «إن هذا الاستنتاج له ما يبرره على ما يبدو وهو يدعو للدهشة»، كما تلاحظ المذكرة أن الاستعداد للتعاون «ربما ينبع من تزايد نفوذ الطبقة الوسطى في الإخوان».وأصبح الاستعداد الجلي للتعاون بين البريطانيين و«الإخوان» أكثر أهمية بحلول نهاية 1953، ففي ذلك الوقت كان نظام عبدالناصر يتهم الإخوان بمقاومة الإصلاح الزراعي وتدمير الجيش من خلال «جهازهم السري»، وفي يناير 1954، تصادم أنصار الحكومة و»الإخوان» في جامعة القاهرة، وأصيب عشرات الأشخاص وجرى إحراق سيارة جيب تابعة للجيش، ودفع هذا عبدالناصر إلى حل التنظيم، وكان من بين القائمة الطويلة من الاتهامات الموجهة للإخوان في مرسوم الحل، الاجتماعات التي عقدها الإخوان مع البريطانيين، التي رفعها النظام فيما بعد إلى مستوى «معاهدة سرية».تحالف جديدوبدأ البريطانيون يتآمرون مع الإخوان أنفسهم لتحقيق الغايات نفسها في التخلص من عبدالناصر بأي ثمن، وخلال سنوات ثلاث من النظام الجديد، شملت إصلاحات عبدالناصر الداخلية إعادة توزيع الأراضي لمصلحة فقراء الريف، واتخاذ خطوات نحو تعزيز الإصلاح الدستوري للحكم ليحل محل الحكم المطلق، وهو ما تسبب في غضب الإنكليز، لأن هذه القرارات ساعدت على زيادة شعبية عبدالناصر، ويلاحظ السفير البريطاني في القاهرة السير رالف ستيفنسون، الذي كان قد تقرر رحيله، أن نظام عبدالناصر كان «جيدا بقدر ما كانت أي حكومة مصرية سابقة منذ 1922، وهو أفضل من أي نظام في أحد الجوانب، ألا وهو محاولته أن يفعل شيئاً لشعب مصر بدلا من مجرد الحديث عنه».وطالب ستيفنسون، من وزير الخارجية، هارولد ماكميلان في حكومة أنطوني إيدن، مساعدة حكومة عبدالناصر، قائلا «إنهم «قادة مصر» يستحقون، في رأيي، كل مساعدة تستطيع بريطانيا العظمى أن تقدمها لهم على الوجه الصحيح»، وبعد كتابة هذه المذكرة بتسعة أشهر، قرر البريطانيون إزاحة عبدالناصر، ورغم فشل محاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية، فإن الاتصالات الإنكليزية الإخوانية تواصلت بعد ذلك.كان البريطانيون والأميركيون في قمة انخراطهم في تدبير مؤامرات للانقلاب ضد الأنظمة العربية التي خلفتها حركة التحرر، خصوصاً في سورية ومصر، باعتبارها جزءاً من عملية إعادة تنظيم أكبر لمنطقة الشرق الأوسط لدحر «فيروس القومية العربية»، وحسب ما جاء في مذكرة بالغة السرية لوزارة الخارجية لم يكشف عنها إلا في مطلع القرن الواحد والعشرين، فإن رئيس الولايات المتحدة داويت أيزنهاور، وصف للبريطانيين «الحاجة إلى خطط ميكافيلية رفيعة المستوى للتوصل لوضع موات لمصالحنا في الشرق الأوسط»، يمكنه أن «يقسم العرب ويهزم أهداف أعدائنا»، في إشارة إلى الخطر السوفياتي الذي بدأ يلوح في شرق المتوسط.وفي مارس 1956، عزل الملك حسين عاهل الأردن الجنرال البريطاني جون جلوب قائد الفيلق العربي، وهي خطوة حمل إيدن وبعض المسؤولين البريطانيين مسؤوليتها لنفوذ عبدالناصر، وعندئذ كانت الحكومة البريطانية قد خلصت إلى أنها لم تعد تستطيع العمل مع عبدالناصر، وأن تخطيطاً بريطانياً وأميركياً جاداً للإطاحة بنظامه قد بدأ، وأخبر إيدن وزير خارجيته الجديد، أنطوني ناتنج، أنه يريد «اغتيال» عبدالناصر، وكان هذا قبل اتخاذ الأخير لقراره بتأميم قناة السويس في يوليو 1956، وهو عمل كان من المحتم أن يؤدي إلى خسارة مصالح بريطانيا ومصادر قوتها الواحدة تلو الأخرى في الشرق الأوسط، كما شرح إيدن في مذكراته، خائفا من تأثير التداعي الذي سيترتب على الإجراء الذي اتخذته مصر.وقد شرح الموقف الوكيل الدائم لوزارة الخارجية، غيفون كيربابتريك، قائلاً: «إذا سمحنا لعبدالناصر أن يفلت بضربته في قناة السويس، فإن العاقبة ستتمثل في القضاء على الملكية في السعودية»، وذلك لخوفه من أن تستلهم القوى الوطنية تحدي عبدالناصر الناجح للغرب في مصر.ويقر كورتيس الذي ألف كتابه في 2010 بأن الكثير من الملفات البريطانية الخاصة بأزمة «قناة السويس» قيد الرقابة رغم مرور عقود طويلة عليها، لكن بعض المعلومات تسربت على مر السنين حول مختلف المحاولات البريطانية للإطاحة بعبدالناصر أو اغتياله، وانطوت واحدة على الأقل من هذه الخطط على التآمر مع «الإخوان المسلمين»، ويلاحظ ستيفن دوريل أن المسؤول التنفيذي السابق عن العمليات الخاصة وعضو البرلمان، بيل ماكلين، وسكرتير «مجموعة السويس» البرلمانية، جوليان إيمري، ورئيس محطة المخابرات الخارجية البريطانية في جنيف، نورمان دارشير، أجروا جميعا اتصالات بـ»الإخوان» وعقدوا لقاءات في سويسرا.وكان ذلك في هذه المرة جزءاً من علاقاتهم السرية مع المعارضة لعبدالناصر، ولم يظهر مطلقا المزيد من التفاصيل عن اجتماعات جنيف هذه، لكنها ربما انطوت على بحث تنفيذ محاولة للاغتيال وإقامة حكومة في المنفى تحل محل عبدالناصر بعد حرب السويس.وفي سبتمبر 1956، أجرى مسؤولون بريطانيون اتصالا مع مسؤول سعودي في جنيف أخبروه بوجود «معارضة سرية ضخمة لعبدالناصر هناك»، والواقع أنه كان يخشى أن يؤدي تأميم عبدالناصر لقناة السويس إلى القضاء على المعارضة المصرية، وكان مفهوم المعارضة المصرية عند الإنكليز ينحصر في «الإخوان».وعلى وجه التأكيد، كان المسؤولون البريطانيون يرصدون بانتباه أنشطة الإخوان المعادية للنظام، ويعترفون بأنها قادرة على أن تشكل تحدياً جاداً لعبدالناصر، وهناك أيضا أدلة على أن البريطانيين أجروا اتصالات مع التنظيم في أواخر 1955، عندما زار بعض الإخوان الملك فاروق، الذي كان حينذاك منفيا في إيطاليا، لبحث التعاون ضد عبدالناصر.واكتشفت السلطات المصرية في أغسطس 1956، حلقة تجسس بريطانية في البلاد وألقت القبض على أربعة من رعايا بريطانيا، منهم جيمس سوينبرن، وكان يعمل مدير أعمال في وكالة الأنباء العربية، وهي واجهة لهيئة المخابرات المركزية في القاهرة، وتم طرد اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين تورطا في جمع الاستخبارات، ومن الواضح أنهما كانا على اتصال «بعناصر طلابية لها اتجاهات دينية» بفكرة «تشجيع أعمال الشغب التي يقوم بها الأصوليون والتي يمكن أن توفر مسوغاً للتدخل العسكري لحماية أرواح الأوروبيين».وفي أكتوبر، شنت بريطانيا في تحالف سري مع فرنسا وإسرائيل، غزواً على مصر للإطاحة بعبدالناصر، لكن رفض الولايات المتحدة تأييد التدخل هو في الأساس الذي أوقفه، وتم الاضطلاع بالغزو والبريطانيون يدركون أن «الإخوان المسلمين» قد يصبحون هم المستفيد الأول ويشكلون حكومة ما بعد عبدالناصر، وتبين المذكرات أن المسؤولين البريطانيين كانوا يعتقدون في هذا السيناريو، ومع ذلك خشى المسؤولون البريطانيون من أن ينتج استيلاء الإخوان على السلطة، شكلاً أكثر تطرفا من الحكم في مصر، ومرة ثانية، فإن هذا لم يوقفهم عن العمل مع هذه القوى.وبعد هزيمة عبدالناصر للبريطانيين ببضعة أشهر، كان تريفور إيفانز، وهو المسؤول الذي قاد الاتصالات البريطانية مع الإخوان قبل أربع سنوات، يكتب مذكرات في مطلع 1957 يوصي فيها بأن «اختفاء نظام عبد الناصر... يجب أن يكون هدفنا الأول»، ولاحظ مسؤولون آخرون أن الإخوان ظلوا نشيطين ضد عبدالناصر في الداخل والخارج على حد سواء، خصوصا في الأردن حيث كان يتم شن «حملة دعاية ضارية» ضده، وتبين هذه المذكرات أن بريطانيا ستواصل التعاون مع هذه القوى في المستقبل القريب، وقد حدث هذا فعلاً فيما بعد.هكذا ترصد الوثائق البريطانية الاتصالات السرية بين الإنكليز والإخوان، وسط مساعي الجماعة للإطاحة بنظام عبدالناصر، وكيف وصلت الجماعة إلى الدرك الأسفل من الخيانة، باختيارها التعاون مع الدولة التي احتلت مصر ونهبت خيراتها لأكثر من 70 عاما، وكيف تقبلت جماعة «الإخوان» بكل رضى أن تتحول إلى مجرد قفاز في يد الاستعمار البريطاني لضرب السلطة الوطنية للبلاد، بغض النظر عن أي حديث عن عمق الخلافات بين ناصر والإخوان، وفي هذه الأجواء من الخيانة لم يكن غريبا أن تخطط «الإخوان» لعملية اغتيال عبدالناصر بأعصاب باردة.... يتبع
توابل
مفاجآت تحالف الإخوان والإنكليز ضد ناصر
08-07-2015