صيحات {التمرد والقوة} تسيطر على أغاني المرأة
الحب والأمل والسلام ليست وحدها القضايا التي تغني من أجلها النساء، فنبرات من التمرد وصيحات القوة والاستقلال تسيطر على شكل الأغنية الحديثة، ما الذي يدفع الفنانة إلى اختيار هذه النوعية من الأغاني؟ كيف يتفاعل معها الجمهور والنقاد؟ هل هي ظاهرة انفعالية تفرضها ظروف معينة أم مجرد موضة؟
تعددت الآراء حول هذه الظاهرة، وانقسم النقاد بين مشيد بقدرة مطربات الجيل الحالي على {التعبير عن أنفسهن}، ومتخوف من تأثير ذلك سلباً على الأنماط الهادئة الكلاسيكية من الأغاني العاطفية للمرأة.على الجانب الآخر، تقف فنانات بالمرصاد لنوعية الأغاني التي تظهر ضعف المرأة أو استسلامها، ويفضلن أداء دور المرأة القوية التي ترفض التنازل عن حقوقها، وتساند الرجل في مهام الحياة، وهو ما يظهر بوضوح في أغنيات شيرين عبد الوهاب على غرار: أنا لاجاي أقولك وواحدة بواحدة»، «بـ100 راجل» لنانسي عجرم.
اعتادت سميرة سعيد تقديم أغان تنتصر لحرية المرأة، وتضعها في الجانب القوي الذي لا يقل أهمية عن الرجل، من دون أن تنتقص من أنوثتها، فهي ترفض التنازل، مهما كانت الأسباب، حسب إحدى أغانيها، والعودة إلى الرجل بعدما تركها وذهب إلى أخرى، وفق أغنية أخرى.ياسمين فراج رئيس قسم النقد الموسيقي في أكاديمية الفنون تؤكد لـ «الجريدة» أن البداية كانت في «التسعينيات»، وأن موجات من الصعود والهبوط طالت أغاني «التمرد الأنثوي»، وأنها ظلت حاضرة طول الوقت بصورة أو بأخرى، لكنها الآن تعبر عن نفسها بقوة، عازية ذلك إلى وقوع المرأة، لا سيما المطربة، تحت إمرة المجتمع الذكوري، مشيرة إلى أن الفن أوضح مرآة تعكس حال المجتمع.تضيف أن الأمر لا يقتصر على مطربات عرب، بل يمتد ليشمل مطربات عالميات، يؤكدن أن مجتمعاتهن تعاني الظواهر ذاتها التي تؤثر على المرأة سلباً، وأعطت أمثلة: مادونا، شاكيرا، جينفر لوبيز، وعلى المستوى العربي، سميرة سعيد وشيرين، وهما أوضح أمثلة على الأغاني التي تشتد فيها نزعات الجرأة والتمرد.تتابع أن للأمر «مردوداً إيجابياً»، نافية أن يساهم ذلك في تكريس حالة المظلومية لدى الأنثى أو التأثير بشكل سلبي على العلاقات الهادئة، وهو مطلوب «لتفريغ الشحنات السلبية» التي تعاني منها النساء من جمهور تلك الأغاني، وتتوقع تبدلاً ملحوظاً بمجرد إصلاح السياق المجتمعي الحاضن للأنثى.بدوره يعتبر الناقد الموسيقي زين نصار أن الأمر غير مقلق أو مزعج، ومتعارف عليه، منذ نشأة العلاقات الإنسانية المجردة، وأن المرأة القوية المستقلة هي الصورة «التقليدية» التي تلجأ إليها المرأة دوماً، كإحدى آليات التجاذب في العلاقة مع الطرف الآخر الذكوري. يضيف أن الأمر ينقلب من الإيجابي إلى السلبي بمجرد المبالغة فيه، «فعندما تسيطر دعوات إلى الصدام والتحرر المطلق والعتاب المستمر للطرف الآخر في ألبوم غنائي كامل لأي من المطربين أو موسم غنائي كامل، سنكون حينها في أزمة»، لافتاً إلى أن ثمة مشاعر وأوتاراً يمكن اللعب عليها بشكل راق من دون اللجوء إلى المبالغة.يطالب المؤلفين والمطربين بضرورة «التنويع» في أغنياتهم، ويضيف: «لا أطالب المطربين المنتمين إلى أجيال جديدة ثائرة بطبعها أن يتوقفوا عن لهجات التحدي والوعيد، لكن المشاعر الإنسانية متنوعة لدرجة لا تجعل هذا اللون يأخذ أكثر من حقه، ويجب مراعاة الأذواق كافة، فمثلما تلاقي أغنياتهم المتمردة صدى عند البعض، فإن آخرين يفضلون التيمات العاطفية والرومنسية الهادئة الملهمة».سياق مجتمعيتوضح خبيرة علم الاجتماع عزة كريم أن نبرات التمرد وصيحات الانتصار في أغاني المطربات تعود إلى السياق المجتمعي الذي يعيش فيه، وأن ذلك مردود طبيعي لما تلاقيه الأنثى في مجتمعاتنا العربية، ما ينعكس على ألوان الفنون على أختلاف أشكالها، واصفة الأمر بـ «الخطير».تحذر كريم من تطور الأمر إلى مستويات جديدة، «فبدل تعبير الأنثى عن نفسها في شكل «التمرد»، ستظهر أغان أخرى ترفض العلاقات الإنسانية من الأساس، طالما استمر أي من ألوان القهر والتحامل التي تمارسها مجتمعاتنا على الفتاة بداية من طفولتها، مروراً بمرحلة الشباب، وصولا إلى كونها سيدة أو أم».تنصح بضرورة إصلاح الأنساق المجتمعية، لنرى مجددا طغيان الرومنسية والإيقاع الهادئ على الأغاني النسائية، مطالبة بضرورة إجراء دراسات منهجية تتم فيها الاستعانة بكلمات التحدي وسيناريوهات الانتقام في الأغاني الحالية لإصلاح الأوضاع، لا سيما أن تلك الأغاني تؤثر في الملايين من المستمعات اللواتي يجدن فيها ملاءمة مع حالتهن.