في لقاءين منفصلين، قدم الشاعر قاسم حداد والروائي أمين صالح تصوراً جديداً للكتابة وأثرها، وهو تصور لا أتفق معه ولم يكن متوقعاً من شخصيتين أدبيتين لهما أثر كبير علينا نحن الجيل الذي لحق بهما.

Ad

يرى الكاتبان أن فكرة أثر الكتابة وتأثيرها فكرة ساذجة، بمعنى أكثر تحديداً أن الكتابة ليس لها وليس مطلوباً منها أن تغير المجتمع، هكذا هو الأمر بالمطلق.

وأعقب هذين التصريحين تباين وجهات نظر للزملاء بين مؤيد ومعارض ركزوا فيه على أثر الكتابة وتأثيرها في التغيير السياسي، ولكن ذلك لم يكن الرأي الذي أراده الكاتبان، بل كان حديثهما عن التغيير الذي تتركه الكتابة لا الموقف السياسي للأديب والكاتب، وهو ما يمكن تفهمه في حالات كثيرة في عالمنا العربي. فالكثير من الأدباء يحاولون الابتعاد عن السياسي المحض مقابل العمل الإبداعي المحض، في المقابل هناك أعداد كبيرة من الأدباء تلتصق بالسلطة وتتلون معها إذا تلونت. نقاشنا هنا عن التغيير بشكل عام وليس الموقف الخاص.

إذا كانت الكتابة ليست أداة تغيير في المجتمع، ولا يوجد إيمان بمدى تأثيرها الاجتماعي والتعليمي والثقافي بشكل عام، فالسؤال البسيط والساذج أيضاً هو لماذا يكتب الأديب إذاً؟ الإجابة الوحيدة التي يتركها لنا انتفاء التغيير هي المتعة الشخصية والتسلية إذا أحسنا الظن والإلهاء إذا أسأنا الظن. الكتابة هنا لا تحمل هدفاً واضحاً ولا تحتمل تأويلاً سوى تأويل له بعد واحد هو الخروج من دائرة ما يتطلب التغيير إلى فضاء أبيض ومسالم لا يحتاج إلا إلى الترفيه وتزجية الوقت الخالي من الهم الإنساني، وللأسف الحالة التي تمارس فيها الكتابة ليست كذلك.

الكتابة أداة تغيير أولاً وأخيراً ليس فقط في عالمنا العربي الذي يحتاج إلى الكتابة للتغيير أكثر من أي وقت مضى، بل للمجتمعات التي لا تعيش الاضطراب الذي نعيشه والمتسقة سياسياً واجتماعياً. الكتابة أداة تغيير في العالم الغربي الذي يسعى لتكريس الهيمنة الفكرية والعسكرية وفرض حالة التغيير الجغرافي والتوزيع الطائفي. الكتابة أداة تغيير في عالمنا العربي وهو يتمزق ويتشظى ويسيطر فيه الجهل على شبابه الذين يعيدون ترتيب انتمائهم إلى طوائفهم وقبائلهم وخروجهم من العقد الاجتماعي للدولة الحديثة.

إذا لم تكن الكتابة أداة تغيير فكيف تغير قاسم وأمين وأصبحا الشاعر قاسم حداد والروائي أمين صالح. الكتابة إذاً أداة تغيير على المستوى الشخصي، وهي تنقل الإنسان من حالة إلى أخرى من المفترض أنها أفضل وأرقى. ولأن المجتمع هو مجموعة من الأشخاص الذين يمارسون الكتابة وقراءة هذه الكتابة والتفاعل معها فبالضرورة تتحول إلى أداة تغيير اجتماعية.

أما حصر الكتابة بموقف سياسي فذلك جزء من التغيير، لا يسلكه كل من امتهن الكتابة وليس مطلوباً أن يسلكه كل من يمارس الكتابة. ولكن ما البديل للكتابة عن موقف سياسي؟ هل نطالب الجميع بالصمت والتوقف عن الكتابة بحجة أن الكتابة لن تحدث تغييراً؟ تلك دعوة للاستسلام وترك الأمور كما هي، ولكن ذلك يتم أيضاً عن طريق الكتابة حتى وإن جاء بمقابلة صحافية.