واشنطن تباشر طمأنة إسرائيل وضبط إيران
حدثان حظيا بتغطية سياسية وإعلامية لافتة في وسائل الإعلام الأميركية في الساعات الماضية، أوحيا بتطورات سياسية إقليمية وشيكة لا تقل أهمية عن الحدث الذي يشغل قسماً من الرأي العام الأميركي، على خلفية توقيع الاتفاق النووي مع إيران.الأول تمثل في الحراك السياسي «الميداني» الذي باشره الجمهوريون مع جماعات الضغط الإسرائيلية خصوصاً في مدينة نيويورك، معقل أكبر جالية يهودية، للتأثير على المشرعين الأميركيين، وحضّهم على رفض المصادقة على الاتفاق النووي.
وتفسر أوساط أميركية تلك التحركات بأنها قد تكون من «عدة الشغل» الضرورية من أجل فرض قيود صارمة على إيران، لا بهدف إجبارها على الالتزام بتطبيق حصتها منه، بل من أجل تقييد حركتها السياسية وإبعاد أي احتمال لاستخدام ما ستجنيه من رفع العقوبات عنها للضغط على إسرائيل.وتلفت تلك الأوساط إلى أن التظاهرات التي شهدتها نيويورك لا يعتد بها ولا تعكس حقيقة موقف الرأي العام الأميركي من هذا الاتفاق، خصوصاً أن «بازار» المقايضات انفتح على مصراعيه بين القوى الدولية والإقليمية، في ظل اقتناع بأن تعطيل هذا الاتفاق بات من الماضي بعد أن تبنّته المجموعة الدولية، وذلك يجعل إسقاط «الكونغرس» له أمراً شبه مستحيل. وتعتقد أوساط أميركية أخرى أن المقايضة بين دور طهران ونفوذها في المنطقة بعد تخليها عن برنامجها النووي تدور مع أطراف إقليمية أخرى، يجري العمل معها حثيثاً لتشكيل وسائد حماية في مواجهة شهية إيران لمواصلة سياساتها العدائية في المنطقة.هكذا يُقرأ الحدث الثاني الذي تمثل بالمكالمة الهاتفية المطولة التي أجراها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، وإعلان أوساط عسكرية أميركية الاتفاق مع أنقرة على تشغيل واستخدام قاعدة إنجرليك التركية بشكل كامل في الحرب ضد «داعش».وفي اعتقاد تلك الأوساط أن قرار استخدام القاعدة لا بد أن يكون نتيجة توافق أميركي– تركي على تسوية ما بالنسبة إلى المنطقة العازلة في شمال سورية، وجاء تفجير بلدة سوروتش والاشتباك الحدودي بين الجيش التركي ومسلحي «داعش»، ليعزز هذا الاحتمال، في حين تتحدث تلك الأوساط عن نقاش معمق جرى بين الرجلين حول مستقبل العلاقات التركية- الإسرائيلية.وتضيف تلك الأوساط أن الرد على الطموحات الإيرانية في المنطقة، ومحاولة طمأنة المتخوفين من توقيع الاتفاق النووي، سواء كانوا من الجمهوريين أو الإسرائيليين، سيكون عبر «إطلاق» اليد التركية جزئياً في شمال سورية، بالتوازي مع تجديد «جيش الجنوب» في المعارضة السورية هجومه على مدينة درعا، في مسعى إلى تطويق الجهود الإيرانية، وقطع الطريق على خططها قبيل رفع العقوبات الدولية عنها المرجح بعد ستة أشهر من الآن.وإذا أُضيف إلى هذه التطورات المتوقعة ما حققه التحالف الذي تقوده السعودية مع قوات الشرعية اليمنية من إنجازات ميدانية في عدن والمحافظات المحيطة، يمكن القول إن الانتقادات الحادة التي أطلقتها الإدارة الأميركية ضد السلوك السياسي لإيران، يعكس سياسة الضبط والاستيعاب التي تمارسها واشنطن في الملفات الإقليمية الملتهبة، تمهيداً لاختبار حظوظ الاقتراح الأميركي- الروسي غير المعلن لوضع آلية لحل سياسي للأزمة السورية، يستعد الموفد الدولي ستيفان ديمستورا لنقاشه في مجلس الأمن مطلع الأسبوع المقبل.