لن نعمد إلى تكرار ما حدث لليونان قط، فقد ينتهي الأمر بنا بكل تأكيد إلى وضع يشبه حالها إلى حد كبير، ويمكن القول إن من توقعوا حدوث أزمة في الولايات المتحدة على غرار ما حدث في اليونان في المستقبل لم يكونوا على خطأ بل لم يكونوا على صواب بعد.
في كل مرة تتحدث الأخبار عن وضع اليونان أسمع دمدمة حول ضرورة اهتمام الأميركيين بما يحدث، لأننا إذا لم نعمل معاً فسوف نمضي إلى المصير ذاته، وفي كل مرة كنت أظن "لا. ذلك ليس صحيحاً تماماً"، وفي وسعي استبعاد تلك الدمدمة لكنها كانت هذه المرة مدوية بقدر أكبر، وتطرق إليها حتى بوبي جندال عندما قال: "إن ما حدث في اليونان سوف يحدث هنا، ونحن لا نستطيع تغيير المسار، وأي واحد يخالف هذا الرأي إنما ينكر قواعد الرياضيات".وهنا أستطيع إخباركم أن ذلك ليس صحيحاً تماماً، والتحدث عن أن التوازي الذي نراه ليس الجانب المهم الوحيد أو ذلك الأكثر أهمية.إن كل من يفكر في السياسة إنما يفكر في الاستعارة، ويتعين علينا ذلك، لأن الأوضاع حديثة والتحليل سوف ينقلك إلى هذا المدى فقط، وسوف يتعين عليك في نهاية المطاف العودة إلى الأحداث الماضية من أجل الحصول على إطار عمل في ما يتعلق بما سيحدث في المستقبل، والخطر، طبعاً، يكمن في أنك ستأخذ الاستعارة الخطأ، فهل كان صدام حسين في عام 2002 هتلر في سوديتنلاند أم هو شيء منه في خليج تونكين؟ وهل كان باراك أوباما حقاً يمثل العودة الثانية لـلرئيس فرانكلين روزفلت؟ في وسعك دائماً العثور على أسباب لاختيار الاستعارة التي تريدها، ولكن يتعين عليك دائماً أيضاً تجاهل بعض الفوارق المهمة.الشيء الأول الذي يتعين أن تلاحظه حول اليونان هو أن لدى ذلك البلد العديد من المشاكل التي لا توجد في الولايات المتحدة، ولن تظهر في المستقبل المنظور، ودعني أدرج ذلك في قائمة حتى يصبح بالإمكان فهم ما أتحدث عنه:1 – اقتصاد صغير ضعيف النمو.2 – تاريخ طويل من التخلف عن السداد وسوء الإدارة المالية التي مكنت المقرضين من فرض معدلات فائدة عالية على الاقتراض.3 – انتشار الفساد على نطاق واسع.4 – عدم القدرة على تحصيل الضرائب المفروضة بسبب الفساد المشار إليه، ولأن اليونان لا تملك التقليد المدني القوي للإذعان للضرائب.5 – محاولة إصلاح المادتين 1 و2 عن طريق تبني عملة خارجية ألحقت الضرر بالتصدير وتركت البلاد تحت رحمة سياسة نقدية غير ملائمة بالنسبة إلى دورة الأعمال فيها، وغير قادرة على الاستمرار في تقليدها الطويل من سعيها إلى الخروج من مشاكلها الاقتصادية والمالية، إضافة إلى تعريض البلاد لخطر هروب رأس المال عندما تسوء الأحوال.6 – نظام تقاعد غير مستدام.7 – اقتراض غير مستدام للتعامل مع المواد 1 و2 و3 و4 و5 و6 أعلاه.8 – أسوأ أزمة مالية يمكن تذكرها عندما وصلت المواد 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 إلى ذروتها.والسؤال الآن هو أي واحدة من هذه المشاكل توجد في الولايات المتحدة؟ والجواب هو في المادتين 6 و7 مع الفارق بين البلدين في الاقتراض ونظام التقاعد.مشاكل الهيكلةأنا أعتقد بقوة أن السياسة الأميركية في وضعها الراهن تسهم في خلق عدد من مشاكل الهيكلة المثيرة للقلق التي يتعين إصلاحها الآن عبر بعض الألم المعتدل بدلاً من إصلاحها في وقت لاحق بالكثير من المعاناة، وهذه ليست الحال ذاتها من الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي مثل اليونان إلى حد كبير، وسوف نعود إلى تلك الحال عندما يتم خفض سن التقاعد إلى 55 سنة، ويتقلص اقتصادنا بحيث يقتصر على السياحة وأشجار الزيتون.سوف تلاحظ ما لم أتطرق إليه: "أن الولايات المتحدة ليست مثل اليونان لأننا نقترض بعملتنا الخاصة"، وذلك شيء سخيف للقول، ثم إن اقتراض أميركا بعملتها ليس نوعاً من القانون الطبيعي الذي يستتبع حدود كبريائنا، بل مسألة تنبع من كوننا نتحكم ونوجه ونتحمل مسؤولية عملتنا.وإذا قررنا البدء برفع قيمة الدولار فسيكون في وسع الدائنين إرغامنا على الاقتراض بعملة أخرى أو طلب معدلات فائدة عالية إلى درجة غير مقبولة مقابل سماحهم لنا بتسديد القروض بالعملة الأميركية.والأكثر من ذلك أن الاقتراض عبر عملتك يحول دون حدوث نوع معين من الأزمات، ولكن ذلك لا يعني أنك محصن ضد أزمة عملة سيئة بقدر مماثل على غرار ما يحدث في التدافع على البنوك في حالات الهلع والمحن المالية المماثلة.اختلاف التفاصيلإن لدى الولايات المتحدة بالتأكيد القدرة على خلق العديد من المشاكل الهيكلية التي أوصلت اليونان الى وضعها المزري، وقد تختلف التفاصيل لكن التأثيرات سوف تكون متشابهة إلى درجة كبيرة يصعب على المواطن العادي التمييز بينها. وهكذا وفيما لن نعمد إلى تكرار ما حدث لليونان قط، فقد ينتهي الأمر بنا بكل تأكيد إلى وضع يشبه حالها إلى حد كبير، ويمكن القول إن من توقعوا حدوث أزمة في الولايات المتحدة على غرار ما حدث في اليونان في المستقبل لم يكونوا على خطأ بل لم يكونوا على صواب بعد.وعلى أي حال، لدي ملاحظتان تتعلقان بهذا الأمر، تتمحور الملاحظة الأولى حول ما إذا كانت تلك الحصيلة ستحدث لنا في المستقبل– وربما المستقبل البعيد– يتعين علينا البحث في المواد السابقة قبل أن نقترب من أي شيء مماثل، والملاحظة الثانية إذا كانت الأزمة اليونانية تمثل إمكانية الحدوث في الولايات المتحدة فهي أبعد من أن تكون الأزمة الوحيدة، وهي ليست حتى الأكثر احتمالاً.السقوط قادم لماذا تكون اليونان بالضرورة الاستعارة الصحيحة؟ ولماذا لا تكون الإمبراطورية الرومانية أو روسيا القيصرية أو أي دولة من الدول العديدة التي شهدت نهايات مؤسفة وسيئة؟ وكما لاحظ آدم سميث ذات مرة "يوجد قدر كبير من الدمار في دولة ما"، وهنا يمكننا أن نضيف ما قالته كارينا كورولاري: "تتشابه الدول السعيدة كلها ولكن الدول غير السعيدة تمضي نحو الخراب بطريقتها الخاصة"، وذات يوم، ومثل كل الدول الكبرى ستسقط أميركا سواء إذا كان ذلك سيحدث في العام المقبل أو بعد ألف سنة، ومهما حدث فسوف تكون لنا أزمتنا الخاصة التي لا تشبه ما واجهته اليونان على أي حال.
مقالات - Ecooped
الولايات المتحدة لن تقتفي أثر اليونان في أزمتها المالية
11-07-2015