أدى الاتفاق النووي بين إيران والغرب منذ منتصف الشهر الجاري إلى إعادة تسليط الضوء مرة أخرى على الانقسام الحاد بين العراقيين، لكن الحكاية تخفي تفاصيل معقدة داخل البيت الشيعي، أبعد من أي انقسام بين الجمهور.

Ad

وطبعاً فإن أنصار التشدد الشيعي راحوا يعبرون عن زهوهم بـ«تفوق شيعي» في الساحة الدولية، بينما فضّل نوع آخر من متشددي الشيعة أنفسهم، أن يلتزموا الصمت، لأنهم يعتقدون أن إيران «تنحرف باقترابها من أميركا». وظل الموقف التقليدي لمتشددي السُّنة ثابتاً، فهم يؤمنون بأن كل ما حصل في العراق منذ 2003 هو «مسرحية بين واشنطن وطهران دليلها تسليم العراق إلى رجال الدين الشيعة».

لكن الاتجاه العراقي «الشيعي والسني» الذي يتملكه قلق من نفوذ إيران على الدوام يمثل هواجس أخرى خارج المقاسات الانفعالية بين الجمهور، فالذين يخشون تعاظم نفوذ طهران موجودون داخل الأحزاب الشيعية نفسها، وتشهد صالونات بغداد والنجف سجالاً بين الشيعة أنفسهم حول المعطيات النهائية للاتفاق النووي. واذا كانت القوى السنية تخشى أن تكون أميركا تنازلت لإيران عن ترتيب وضع المنطقة السنية غرب العراق وشماله، فإن شيعة العراق يدركون أن طهران لن تتوانى عن محاولة «إعادة ترتيب» البيت الشيعي، وتقوية أمراء الفصائل المسلحة الجدد المؤمنين بالكامل بخطط طهران، كبديل عن الطبقة السياسية الشيعية التقليدية.

و»جريمة» الطبقة التقليدية هذه أنها «تحلم» أحياناً بأن يصبح لشيعة العراق «تصور مستقل نسبياً عن إيران» ينحاز إلى التهدئة مع المحيط العربي، وتجنب أي مواجهة كبيرة مع تركيا مثلاً.

ولا يكشف هؤلاء الشيعة سراً حين يقولون إن «أحلامهم» أزعجت كثيراً من الصقور في مؤسسات طهران وحرس الثورة، وأن سيناريوهات عديدة ستعمل على تقوية الفصائل المسلحة الشيعية التي يقودها شباب مقاتلون مغمورون، لتقليص نفوذ عائلات روحية وسياسية مثل آل الصدر والحكيم، وعائلات بورجوازية تنخرط في العمل السياسي منذ الأربعينيات، مثل آل الجلبي، وآل عبدالمهدي، وبحر العلوم.

ويعتقد مطلعون على تفاصيل هذه النقاشات، أن إيران كانت تريد إدخال تعديلات مؤثرة على البيت السياسي الشيعي في العراق، لكنها تلكأت خشية غضب المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني، الذي يحاول تشجيع العراقيين على توازن متعقل بعيداً عن مغامرات حرس الثورة، التي تعارضها مدرسة النجف الفقهية منذ عقود.

لكن آخرين يقولون إن التطورات السياسية والحربية المتلاحقة ستجبر النجف على «صمت نسبي»، وهو أمر سيسمح لإيران بأن تتقدم خطوات في تعزيز النفوذ السياسي للفصائل التي تدعمها. ويستدل هؤلاء على ذلك، بأن النجف لم تنجح في جعل الميليشيات المقربة من الحرس الثوري جزءاً من تعليمات وضوابط عديدة دعا السيستاني إلى اعتمادها في مناطق الحرب، أو ضوابط تقيد حركة الميليشيات حتى داخل مدينتين كبيرتين مثل بغداد والبصرة، حيث يبدو صراع النفوذ هناك وقائع معلنة، بين شرعية الدولة و»شرعية الجهاد ضد داعش»، ووصل أحياناً إلى دعوة معلنة للانقلاب على الدولة نفسها.