حتى تخلو مصر من الإرهاب
لا شك في أن ما يفعله الجيش المصري الآن في سيناء قد شفى غليل صدور المصريين إلى حد كبير، ولابد أنه أكد لهم أن أبناءهم قادرون على حماية حدودهم، ودحر أي دولة أو تنظيم أو جماعة تفكر في الاقتراب من الأراضي المصرية التي رواها المصريون بدمائهم، ولابد أن المصريين شعروا باطمئنان عندما رأوا الرئيس عبدالفتاح السيسي وهو يزور الجنود ويطمئن عليهم في رسالة مهمة جداً، خاصة عندما عاد ليرتدي زيه العسكري، في إشارة لا تخلو من دلالة، ولابد أيضاً أنهم اطمأنوا عندما سمعوه يتحدث يوم السبت عن أن الجنود الموجودين في سيناء لا يمثلون إلا واحداً من المئة من الجيش المصري، أي إن ما يحاول البعض ترديده بتورط الجيش في سيناء أو استنزاف قدراته إنما هي حرب نفسية لا ينبغي السماح لها بأن تؤثر في عضد أبناء الوطن.يدرك المصريون أن هناك حرباً تقاد ضدهم، حرباً تخوضها الدولة بكل أجهزتها ضد الإرهاب، الذي يتسلح بوسائل إعلام متطورة وحرب شائعات واستغلال لكل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر اليأس والخوف، وهو ما كان الجيش المصري له بالمرصاد، فكان حريصاً على نشر الحقائق أولاً فأولاً، ورد الصاع صاعين.
كما يدرك المصريون أن هذه الحرب طويلة، ولن تنتهي في يوم وليلة، بل ستحتاج إلى وقت طويل حتى نتمكن من الانتصار فيها، وقد يرى البعض أن الحل هو الاستمرار في عمليات المداهمة، وقصف الميليشيات والإرهابيين في سيناء حتى القضاء على آخر إرهابي يدنس أرض سيناء، لكن الحقيقة هي أن هناك طريقاً آخر يجب أن نسير فيه بالموازاة مع هذا الطريق، حتى نتمكن من القضاء على الإرهاب والتطرف، هذا الطريق هو طريق التقدم إلى الأمام، والبناء، والعمل من أجل مستقبل أفضل، ومحاربة الجهل والفقر اللذين خلقا كل هذا التطرف، وكانا بوابة الجماعات المتطرفة للدخول إلى عقول البسطاء. الحل هو التنمية والبناء، وإذا كنا نتحدث عن الحاجة إلى حالة ثورية، فالحالة الثورية المطلوبة هي ثورة على البيروقراطية والمعوقات الإدارية، وطرق تطفيش الاستثمارات، فإذا كان الإرهاب يريد جر البلاد إلى الخلف، فإن هذه المعوقات التي تريد جعل مصر محلك سر لا تتقدم إلى الأمام هي أفضل العوامل المساعدة للإرهاب وجماعاته لإحراز نجاحات أقوى أثراً من تفجير هنا أو اغتيال هناك.وفي ظني أن الرئيس السيسي يدرك حاجة مصر إلى التنمية، فهناك اجتماعات للحكومة بشأن تنمية سيناء سمعنا عنها أخيراً، ويدرك أيضاً أن الحرب الحقيقية هي حرب البناء، لكن يبقى على الحكومة وعلى الإدارات التنفيذية أن تكون عاملاً مساعداً على هذا البناء، بتسهيل عملية البناء، لا أن تكون حجر عثرة في طريق مستقبل مصر.الهدف الآن ينبغي أن يتركز على تحويل الأمنيات إلى رؤى، وترجمة هذه الرؤى إلى خطط وخطوات مرسومة بأسلوب علمي، ثم توفير الأدوات والإمكانات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤى، وقد يكون من أهمها العمل على القضاء على المعوقات الحقيقية التي تحول بين البلد والانطلاق إلى الأمام، خلق حالة الأمل الحقيقية لدى الناس هي طريق الخلاص مما نواجه ونعاني، كما يقول القول السائد إن أفضل طرق الدفاع هي الهجوم، فأنا هنا أقول إن أفضل طرق مواجهة الإرهاب هي التقدم إلى الأمام بلا توقف أو تقاعس، وهذا يتم بخلق حالة تنمية حقيقية يشارك فيها المصريون دافعهم الأمل في المستقبل.ربما علينا جميعاً أن نستعير الشعار "يد تبني ويد تحمل السلاح"، ونجعله طريقاً لنا، ونبراساً نسير على ضوئه، فهذا هو طريق الدفاع الحقيقي عن حاضر مصر ومستقبلها، والطريق الوحيد لكي تصبح سيناء، بل كل مصر، مكاناً خالياً من الإرهاب والتطرف، لا علاج ولا حل إلا بالبناء، والبناء والبناء، لكن يجب أن نمهد الطريق لهذا، ونيسره على من يريد أن يساعد ويمد يده لكي يساعدنا على أن نبني، فهذا هو الطريق الوحيد للتقدم إلى الأمام.