تتحدث الحكومة عن عجز مالي فعلي في الميزانية العامة للدولة تنوي معالجته من خلال تطبيق توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين وإملاءاتهما التي تتمحور حول تجميد رواتب صغار الموظفين، وتقليل الفرص الوظيفية في الأجهزة الحكومية، فضلا عن زيادة الرسوم وفرض رسوم جديدة، وتحرير أسعار البنزين والكهرباء والماء، وفرض ضريبة القيمة المضافة تحت ذريعة زيادة الإيرادات غير النفطية.

Ad

 وكما سبق أن ذكرنا فإنه من المفروض مساهمة المواطنين في دعم الميزانية العامة، ولكن بشرط أن تكون هناك مشاركة شعبية واسعة في صياغة السياسات واتخاذ القرارات العامة، فضلا عن العدالة في توزيع الثروة الوطنية، إذ ليس من العدالة أن تقوم الحكومة بتحميل المواطنين تبعات عجز مالي لا دور لهم في حدوثه في الوقت الذي تهدر فيه الأموال العامة، ويتم التفريط في إيرادات غير نفطية ضخمة... كيف؟

لنأخذ ثلاثة أمثلة على ذلك وهي:

1- قررت الحكومة إلغاء نظام "الأوفست" أو ما يسمى "برنامج العمليات المقابلة"، وذلك بعد تجميده لفترة زمنية بالرغم من أنه مصدر مهم جدا من مصادر تنمية الإيرادات غير النفطية، حيث إن نظام "الأوفست"، الذي تعمل به 120 دولة في العالم، يُلزِم الشركة الأجنبية الفائزة بعقود عسكرية قيمتها 3 ملايين دينار أو أكثر أو بمناقصة حكومية كبيرة (10 ملايين دينار وأكثر) باستثمار نسبة 30% كحد أدنى من قيمة المناقصة في السوق المحلي مع شركاء محليين، وذلك في مجالات البنى التحتية، ونقل التكنولوجيا إلى السوق المحلي، وتوفير فرص التعليم والتدريب للمواطن في الكويت والخارج، ودعم برامج الكويت للمساعدات الخارجية.

 فلنا أن نتصور كم ستستفيد الميزانية العامة للدولة من مناقصة المطار الدولي، مثالا لا حصرا، والتي بلغت قيمتها مليار دينار و312 مليوناً!

2- وجود نظام الوكيل المحلي الحصري الذي بدأ تطبيقه في خمسينيات القرن الماضي لأسباب سياسية-اقتصادية، حيث يحصل الوكيل على عمولة تتراوح نسبتها بين (25% و30%) من قيمة المناقصة (مناقصة المطار مثلا)، وهي عملية تنفيع واضحة على حساب المال العام، وكان من المفترض أن يُلغى هذا النظام منذ مدة طويلة (ألغته السعودية قبل أيام)، إذ إن ميزانية الدولة التي تعاني حاليا عجزاً فعلياً أولى بتوفير مبلغ العمولة التي يحصل عليها الوكيل المحلي الذي لا دور له سوى توقيع العقد، وربما توفير بعض التجهيزات "اللوجستية" التي بإمكان أجهزة الدولة ومؤسساتها توفيرها.

3- قيام الهيئة العامة للاستثمار ببيع شركات محلية رابحة، أي التفريط في إيرادات غير نفطية مضمونة، وهو ما تطرقت له صحيفة "الطليعة" (15 أبريل 2015)، حيث أشارت إلى ما يترتب على ذلك من "عواقب وخيمة سواء من الناحية الاقتصادية أو من ناحية المداخيل التي تدرها هذه الشركات على الدولة، أو من ناحية تسريح عدد كبير من العمالة الوطنية العاملة مما يفاقم من مشكلة البطالة، وفي الوقت ذاته عدم تقدير هذه الشركات بالقيمة الحقيقية لها، وخير مثال على ذلك، بيع شركة المنتجات الزراعية بمبلغ 8.5 ملايين دينار، وهو مبلغ غير مقبول إطلاقا، إذ إن الشركة لديها من الموجودات والأراضي الزراعية ما يفوق هذا المبلغ بكثير".

 كما أشارت "الطليعة" إلى تقرير لجنة حماية الأموال العامة بمجلس الأمة الذي ذكر "أن الهيئة العامة للاستثمار خسرت 43 مليون جنيه إسترليني نتيجة بيعها عقارات في لندن، في حين خسرت 27 مليونا من وراء بيع عقارات في هولندا، و3 ملايين في بلجيكا، ليكون الإجمالي 108 ملايين جنيه إسترليني"، وخلصت "الطليعة" إلى "أن الهيئة العامة للاستثمار تُصرّ على أمرين: الأول بيع استثمارات محلية رابحة ومضمونة تحقق أرباحا بملايين الدنانير سنوياً، والإبقاء على استثمارات خارجية خاسرة". (انتهى الاقتباس).

والآن، هل من العدالة تحميل المواطنين من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة تبعات عجز الميزانية العامة للدولة، وزيادة أعبائهم المعيشية تحت ذريعة تنمية الإيرادات غير النفطية في الوقت الذي تُهدر فيه الأموال العامة، ويتم التفريط في إيرادات غير نفطية ضخمة؟!