الروائي خيري شلبي... أُنْس الحكايات

نشر في 10-09-2015
آخر تحديث 10-09-2015 | 00:01
• في الذكرى الرابعة لوفاته

لم يمهل القدر الروائي الكبير الراحل خيري شلبي، ليستكمل كتابة سيرته الذاتية، التي بدأها بالفعل في كتابه «أنس الحبايب - شخص فترة التكوين». صدرت طبعة الأخير الثانية في القاهرة أخيراً، بمناسبة الذكرى الرابعة لوفاة شلبي، التي حلت في التاسع من شهر سبتمبر الجاري.
كانت حياة خيري شلبي (31 يناير 1938 - 9 سبتمبر 2011) المولود في قرية شباس عمير بمركز قلين في محافظة كفر الشيخ (شمال القاهرة)، قد تناولتها كتب عدة، إلا أن ابنته ريم، أصدرت كتابها «حكايات عم خيري»، بعد وفاته، وألقت الضوء فيه على جزء مهم من حياة والدها، خصوصاً ذلك الجزء الذي لم يتناوله هو في كتابه.

حكى خيري شلبي في «أنس الحبايب» عن نشأته، حيث بدأ بالحديث عن مدرسته الابتدائية التي التحق بها في العام 1944، وكانت تحمل المدرسة اسم المناضل المصري الكبير عبدالله نديم، وكان يتولى النظارة الشيخ حسن الزيات الذي حصل على شهادة «عالمية الأزهر». وتحدث شلبي عن أهم مشروع قامت به الحكومة المصرية آنذاك أثناء دراسته، وهو «مقاومة الحفاء»، حيث طلبت المدرسة من كل تلميذ مبلغ قرش صاغ كرسم اشتراك في المشروع، وباعت والدته «بطة» من حظيرة طيورها كي تستطيع توفير المبلغ لابنها. وحكى شلبي عن مدى السعادة التي انتابته عندما أخبرهم المدرس أن الوزارة أرسلت إلى المدرسة عدداً من الأشخاص كي يأخذوا مقاسات أقدامهم لتفصيل الأحذية. روى، أبرز روائيي جيل الستينيات في مصر، تفاصيل الحقيبة التي كان يحملها أثناء ذهابه إلى المدرسة والتي صنعها له أحد النجارين ببلدته «شباس عمير»، لإغرائه للعمل في ورشته بدلاً من حرفة الخياطة التي كان يتعلمها شلبي في طفولته، وكانت هذه الحقيبة من الخشب المزدان

بـ «الأويمة» وبقفلين حديديين، وكان يسير بها منفوخ الصدر في جدية الرجال كأنه صار موظفاً مرموقاً في الحكومة.

الشيخ محمد زيدان

اعترف شلبي في كتابه على الشخص الذي علمه كيف يكون أديباً، قائلاً: «ما كان لي أن أصير كاتباً لو لم يكن الشيخ محمد زيدان عسر»، موضحاً أنه أحد أبناء بلدته، ذلك الرجل الحنبلي المتشدد بشكل غير معقول. إلا أن شلبي عاد وأكد أن شيخه كان رجلاً عصرياً إلى حد المرونة المستنيرة ، كما تأكد في ما بعد، وصار لغزاً كبيراً بالنسبة إليه، لأنه كفيف ولم يخرج من بلدته، ويتحرك في نطاق جغرافي ضيق جداً، إلا أنه كان يعرف الكثير والكثير عن شكسبير وبرنارد شو وفيكتور هوغو وسقراط وأفلاطون.

يغوص خيري شلبي في كتابه «أنس الحبايب» في أسرار وحكايات «شباس عمير»، ويعترف أن زوجة عمه الحاجة فاطمة نوحاية هي التي ألهمته رواية «الوتد» وشخصيتها الحقيقية تتطابق مع شخصية «فاطمة تعلبة» في الرواية، حيث نقل منها تفاصيل مهمة جداً في شخصية «تعلبة»، فقد كانت زوجة عمه قادرة على معالجة المرضى ولديها دراية كاملة بجميع وصفات العطارة، بالإضافة إلى شخصيتها القوية.

قال شلبي في كتابه إن أحد أبناء عمومته كان من أهم عرافي القرية الذين يفتحون المندل لمعرفة اللصوص والجناة، بالإضافة إلى فك السحر وما إلى ذلك من الدجل والشعوذة، وكان منجذباً لقعدته ذات الطقوس الاحتفالية المبهجة والمرعبة أحياناً، وأعتبرها طقوساً فنية مثلما كان يقيم الإنسان البدائي الشعائر لاسترضاء القوى الكونية المتحكمة في حياته، وفي مصيره. وهو أكَّد أن العرافين أنفسهم يعلمون جيداً أن استخدامهم الجن أمر بالغ الاستحالة، إنما يعلمون جيداً أن الطقوس التي يقيمونها هي صاحبة السر الباتع في الكشف عن الجناة. وحكى شلبي كيف أنه حضر في إحدى الجلسات مع مشعوذ من بلدة مجاورة لهم، وأنه رأى بنفسه كيف يقوم هذا الرجل بالتدليس على مريديه وإيهامهم بقدرته على أمور لا يستطيع فعلها.

وصل شلبي في كتابه إلى مرحلة الكتابة الأدبية، قائلاً: «كنت قد تلقيت نصيحة من أحد أساتذتي بأنني إذا أردت أن أكون كاتباً وأديباً فلا بد من أن أقرأ {مقدمة ابن خلدون}، وكتاب «الأمالي» لأبي علي القالي، وكتاب {البيان والتبيين} للجاحظ، وكتاب {أدب الكاتب} لابن قتيبة، ومن حسن الحظ أن وجد هذه الكتب كلها في مكتبة ابن عمه الشيخ علي محمد عكاشة».روى صاحب كتاب «أنس الحبايب» عن صديقه الذي كان يكبره بسنوات، ويدعى إسحاق إبراهيم قلادة، وأن هذا الشاب أثر فيه كثيرا،ً لا سيما بعدما هجر شلبي الشعر والزجل واتجه إلى كتابة القصة. وذات مرة أعطى شلبي لإسحاق كراسته ليقرأ القصة التي كتبها، لكن نبهه صديقه أن ما كتبه في الكراسة يصعب استيعابها، وطلب منه أن يحكيها شفاهة، وروى خيري القصة على صديقه الذي أعجب بها جداً، وطلب منه أن يكتبها بالطريقة نفسها التي حكاها، قائلاً له: «أثقلت كاهل القصة بحمولة مخيفة من الأدب العتيق تحتاج مفرداتها إلى البحث عن معانيها فى «مختار الصحاح» أو «لسان العرب»، لقد فطست القصة بل سحقتها فماتت، خنقتها العبارات المجعلصة فطلعت روحها».

« عم خيري»

 تناولت ريم خيري في كتابها «حكايات عم خيري» جزءاً مهما جداً من سيرة والدها الذاتية التي لم يسعفه القدر لكتابتها وجاء كتاب «حكايات عم خيري» معبراً عن فترة مهمة جداً من حياته حيث قالت في إحدى صفحات الكتاب الذي تأرجحت لغته بين العامية والفصحى: {لم يفكر يوماً في الرجوع إلى بلدته «شباس عمير» إلا بعد أن يحقق الهدف الذي تركها من أجله رغم أنها تجري في دمه، مستكملة: {لقد ترك شباس عمير وهو في الثامنة عشرة من عمره تاركاً خلفه أمه وأباه وأخواته السبع وأحلام أبيه الذي كان يحلم أن يكون ابنه مدرساً».

أشارت ريم إلى أن والدها لم يعد إلى بلدته إلا بعد فترة طويلة بعدما حقق ذاته وذاع صيته وأصبحت قصاصات الجرائد والمجلات التي تحمل اسمه وصورته في كل بيوت القرية قائلة: {هنا فقط رجع إلى قريته وسط احتفال عظيم ليرى أهله وأخته التي تركها طفلة صغيرة».

حكت ريم أن العام 1996 كانت المرة الأولى التي يحتفل فيها والدها بعيد ميلاده عندما كان حفيده الأول أحمد قد بلغ عامه الأول وقد انبهر الطفل بمنظر الشمعة الوحيدة المضاءة على كعكة عيد ميلاده الأول فقرر خيري شلبي أن تحتفل الأسرة بكل أعياد الميلاد حتى يرى الفرحة في عيني حفيده.

back to top