دعا عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر د. مختار مرزوق عبدالرحيم إلى ضرورة دعم دور المؤسسات الدينية للاضطلاع برسالتها في نشر سماحة واعتدال الدين ومحاربة الأفكار الشاذة، محذراً، في حوار مع "الجريدة"، من مغبة تضييق الخناق على تلك المؤسسات، لأن هذا هو أحد الأسباب الرئيسة وراء ظهور تيارات متشددة ترتدي عباءة الدين لتحقيق أطماع دنيوية، وإلى نص الحوار.

Ad

• ما رأيك في مسألة توحيد موضوع خطبة الجمعة؟

- أطالب بإعادة النظر في قرار توحيد خطبة الجمعة لأنها قد تصرف الناس عن سماعها، فمثلا الخطبة والموضوع الذي يناسب المناطق الراقية لا يتماشى مع المناطق الفقيرة، علاوة على أن المشكلات والعادات تختلف من منطقة لأخرى ودولة لأخرى، فضلا عن وجود مستجدات تفرض نفسها فمثلاً في حالة وجود جنازة فلا يعقل أن يترك الخطيب الكلام عن الموت ليتحدث عن موضوع آخر، علاوة على وجود مشكلة في حي أو قرية أو منطقة، ومقتضى الحال أن يتكلم الخطيب في علاج تلك المشكلة.

• هل الخطبة الموحدة منفرة للجمهور؟

- لا أقول منفرة، لكن إذا علم جمهور المصلين الموضوع مسبقًا فهذا يصرف الناس عن سماعه لأنه سيذهب وعنده فكرة مسبقة، علاوة على أن مراعاة مقتضى الحال توحي بأن الموضوع الذي يناسب حيا متميزا في مدينة لا يناسب قرية من القرى.

• لكن هناك اقتراحا حاليا لتوحيد خطبة الجمعة في بعض البلدان العربية؟

- هذا أمر شبه مستحيل، لأن كل دولة عربية لديها اهتماماتها ومشكلاتها الداخلية وبالتالي تختلف القضايا والأزمات من مكان لآخر.

• كيف يمكن تحصين الشباب من الانزلاق في مستنقع التيارات المتطرفة؟

- على أولياء الأمور مهمة كبيرة، تتمثل في مراقبة الأبناء وفتح قنوات الحوار معهم وأولى علامات التطرف أن يتعصب الشاب لرأيه ولا يعترف بالآخر في ظل تدني ثقافته الدينية، ومن علامات التطرف اعتبار النوافل فروضا والغلظة في التعامل والخشونة في الأسلوب والفظاظة في دعوة الآخرين إلى الخير وإهمال قول الله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: 125).

• هل لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير على الشباب؟

- بالتأكيد هناك مواقع وصفحات تدعو الى الإلحاد والتكفير والتطرف، وما أكثرها، وتسعى إلى جذب الشباب إليها، ويلعب القائمون على تلك الصفحات على وتر تدين مجتمعاتنا بالفطرة مع اضمحلال الثقافة الدينية، وبالتالي يجب توعية الشباب من مخاطر بعض الصفحات والمواقع الإلكترونية حتى لا يقعوا فريسة في براثن التطرف.

• هل يعتبر الفقر والمرض من أسباب انتشار التطرف؟

- الفقر والجهل والبيئات المتدنية تعد سببا رئيسيا لمنابع التطرف والإرهاب، وبالتالي وجب على الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية، وعلينا كشعوب إخراج الزكاة وعدم التقاعس عنها فلو أخرج الأغنياء زكاتهم ما صار بيننا فقير ولا عاطل ولا جائع، والله تعالى قال: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 60).

• ما دور الدول في مواجهة التطرف؟

- يقع على عاتق الحكام والمسؤولين تحصين الشباب ومنع انزلاقهم إلى طرق الضياع، عن طريق قيام الدولة بمؤسساتها بغرس القيم والمبادئ وحب الوطن والأخلاق لدى الشباب وتصحيح المفاهيم ومواجهة الظواهر السلبية وتوفير كل الإمكانيات للشباب للإبداع في مختلف المجالات.

• ماذا عن نعت الإسلام بالإرهاب؟

- الإسلام براء من ممارساتنا، فالمسلمون أساؤوا للدين أكثر من أعدائه بواسطة أهل الجهل والتعصب الذين لا ينظرون إلى عظمة التشريع الإسلامي، وأذكر شهادة رجل دين مسيحي من روسيا وكيف أثنى على السائقين من المسلمين هناك وأنهم لا يتقاضون أجرا من عجوز مسيحية عندما يقومون بتوصيلها إلى الكنيسة بينما لا يفعل ذلك السائقون من المسيحيين.

• يرى البعض أن ما يحدث في المنطقة من اضطرابات حرب على الإسلام، فما رأيك؟

- نعم الحرب شرسة ضد الإسلام وأتباعه، ومن يقفون وراء هذه الحرب يريدون هدم الإسلام بمعوله، أي بيد الفئة الضالة من المنتسبين إليه، علاوة على أن هناك مخططات تحاك ضد المنطقة لتفتيتها وإعادة تقسيمها، وللأسف يساهم في ذلك بعض المارقين من أجل مصالح خاصة أو حفنة من الدولارات.

• هل أنت راضٍ عن دور علماء الدين؟

- علماء الدين مهمشون لمصلحة تيارات علمانية، ويتم اتهام المشايخ بالتخلف والرجعية، إضافة إلى المحاولات المستميتة من جانب بعض الجهات لإضعاف دور المؤسسات الدينية وتقزيم دورها، وهذا أدى إلى نتائج سلبية أبرزها ظهور التيارات الدينية على السطح على حساب الهيئات الدينية المعتدلة، وتلك الفصائل ترتدي عباءة الدين لتحقيق أطماع ومآرب دنيوية.

• وما المطلوب حاليا لتصحيح الأوضاع؟

- على الدول العربية دعم المؤسسات الدينية وإعادة اعتبارها حتى تضطلع بدورها ورسالتها في نشر الوسطية والسماحة ونبذ التشدد والغلو والوصول إلى المواطنين في كل مكان، ورفع الغطاء عن التيارات والجماعات التي تدعي زورا وبهتانا أنها المتحدثة باسم الدين وهو منها براء.