الأزمة عامة وليست في الرياضة فقط
من دون الإصلاح السياسي-الديمقراطي الجذري والشامل الذي يوسع قاعدة المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة لا يمكن أن تُعالج بشكل جذري مشاكل الرياضة، والاقتصاد، والتعليم، والمالية العامة للدولة، والصحة، والإسكان وغيرها من مشاكل عامة، فهي ليست سوى انعكاس طبيعي للأزمة السياسية العامة.
لدينا مشكلة في قطاع الرياضة أفضت إلى اتخاذ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قرارا بوقف مشاركة الكويت في الأنشطة والبطولات الرياضية، ولكنها ليست المشكلة العامة الوحيدة التي تواجهنا فلدينا مشكلة في الإدارة العامة وأخرى في التعليم، وثالثة في الخدمات الصحية، ورابعة في الإسكان، وخامسة في "خطط التنمية". يضاف إلى ذلك قائمة طويلة لا تنتهي من المشاكل العامة الأخرى سواء في الاقتصاد الريعي غير الإنتاجي الذي يعاني جملة من الاختلالات البنيوية، أو في التركيبة السكانية، أو في العمالة الوطنية سواء في تركيبتها أو في ندرة الفرص الوظيفية المتوافرة (البطالة)، أو في إدارة المالية العامة، أو في الازدحام المروري الذي أصبح لا يطاق، أو في ارتفاع تكاليف المعيشة وسحق الفئات الشعبية والوسطى، أو في الطبيعة الطفيلية للقطاع الخاص الذي يعتاش على الإنفاق العام.
وبالطبع فإن كل الدول تعاني مشاكل عامة تختلف حدتها، وتشعبها، وطريقة معالجتها من بلد لآخر، ففي الدول الديمقراطية المتطورة، على سبيل المثال، السيادة للشعب (الأمة) مصدر السلطات العامة جميعا بما في ذلك السلطة التنفيذية (الحكومة)، لذلك فالناس يشاركون مشاركة فعلية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ويتحملون، بالتالي، مسؤولية صنع سياسات عامة تقي المجتمع من المشاكل العامة الحادة، وسياسات أخرى تعالج المشاكل قبل أن تصبح مُزمنة. أما في الدول غير الديمقراطية أو الاستبدادية فهناك عملية انفصال بين الناس (المجتمع) من جهة، وبين من يحتكر السلطة والثروة من الجهة الأخرى؛ لذلك يُغلق المجال العام، وتُقمع الحريات، فتنشأ الأزمات السياسية الحادة التي قد تتحول مع مرور الزمن إلى أزمات مستعصية تكون هي السبب في تراكم المشاكل العامة الواحدة بعد الأخرى، وبقائها مدة طويلة من دون حل، أي أنها تصبح مشاكل عامة مُزمنة تؤدي في لحظة ما، من الصعوبة بمكان توقع وقت حدوثها، إلى انفجار الغضب الشعبي كما حصل في ثورات ما سُمّي إعلاميا "الربيع العربي" التي لم تزل أسبابها ومطالبها المستحقة قائمة مما يعني إمكانية تجددها على شكل موجات جديدة ونوعية في أي لحظة في المستقبل.من الواضح إذاً أنه كلما اتسعت المشاركة الديمقراطية في صياغة السياسات العامة واتخاذ القرارات، قلت المشاكل العامة وتقبل الناس بكل رحابة صدر تحمُّل مسؤوليتهم تجاه حلها والعكس صحيح؛ لهذا فإن الإصلاح السياسي-الديمقراطي الجذري والشامل الذي يوسع قاعدة المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع كما تنص المادة (6) من الدستور يأتي أولا، إذ من دونه لا يمكن أن تُعالج بشكل جذري مشاكل الرياضة، والاقتصاد، والتعليم، والمالية العامة للدولة، والصحة، والإسكان وغيرها من مشاكل عامة، فهي ليست سوى انعكاس طبيعي للأزمة السياسية العامة التي نتج عنها سوء الإدارة العامة ورداءة مخرجاتها.