أكد مدير الدعوة الإسلامية في الجزائر محمد الشيخ، أن الأمة الإسلامية اليوم تمر بأصعب مراحل تاريخها بسبب ظهور تيار الإسلام السياسي الذي انتهج العنف وسيلة لأغراضه، وكان غطاء لفئات "لا إسلامية" تمارس الجرائم، موضحاً في حوار مع "الجريدة" أن مواجهة الإرهاب تتطلب من المسلمين التوحد ضد هذه الظاهرة، بفكر مختلف حسب المعطيات والظروف، محذراً من فوضى الفتاوى التي يشهدها العالم الإسلامي والتي تعد الباب الرئيس لشيوع الفكر التكفيري راهناً، وإلى نص الحوار:

Ad

• الجزائر لها تجربة سابقة في التصدي للإرهاب... كيف استطعتم التغلب عليه؟

- تجربتنا في التصدي للإرهاب لا نفرضها على أحد ونطرحها للدراسة، لأنها تجربة اللحظة الراهنة جزائريا، ونحن نتألم لما يحدث في بلداننا العربية من بسط الإرهاب لسطوته، وقد تصدينا لقضايا التعصب والتطرف والتكفير من خلال رؤية علمية متكاملة، بدأت بحوار عقلاني وديني متغير شارك فيه علماء جزائريون وغيرهم، حددنا فيه ثلاث مراحل للحوار الأول: مع المتعاطفين لكشف حقائق وأبعاد هذا الفكر المنحرف، والثاني: من تم تجنيده في صفوف الإرهابيين، والثالث: مع القيادات التي قادت الإرهاب.

 ولم يكن الأمر ميسورا بل استمر سنوات، تعاملت فيها قوافل الحوار من خلال إذاعة جزائرية موجهة لكل الجزائريين وقضاياهم يسمعها كل جزائري، بما فيهم من حملوا السلاح علينا، وأزهقوا أرواحنا وبددوا ثرواتنا تنفيذا عمليا لقانون الوئام المدني الذي تمت صياغته بدقة، مستهدفين قاعدة كل من يتعاطف مع هذا الفكر وتبيان بطلانه، إلى جانب قوافل حوارية في كل مكان، ما أحدث نتائج إيجابية لكنها لم تكن مرضية، فمازال الإرهاب يضربنا، ومازال من بيننا من يغذي هذا المرض اللعين بحثا عن انشقاق جزائري، لكن في ظل إرادة وإصرار شعبي أصدرنا قانونا جديدا يواجه سلبيات قانون الوئام المدني تحت عنوان "المصالحة الوطنية".

• موجة الإرهاب التي طالت بلدكم هل كانت ناتجة عن صراع سياسي أم ديني؟

- نتيجة صراع سياسي، وكانت مسؤولية الجماعات الإسلامية عن هذه المجازر التي حدثت تنحصر في أنها مدت غطاء كثيفا لفئات أصفها بأنها "لا إسلامية" حتى تتسرب تحت هذا الغطاء، وتمارس هذه الجرائم، كل منها مدفوع بالدافع الذي يحركه ويتفق مع مذهبه وتطلعاته، أي أن هذه المجازر الوحشية بدأت بأعمال عسكرية قام بها الإسلاميون باسم الجهاد الإسلامي، ثم إنها اتسعت وتنامت، وكان طبيعيا أن تنتهز هذه الفرصة كل الفئات التي تضمر الشر، وتسعى إلى التخريب وتطرق أبواب الفتنة من دون أن تمتد إليها أصابع اتهام، لذلك فالجماعات الإسلامية المتطرفة التي طاب لها قبل سنوات أن تمد هذا الغطاء هي التي تتحمل مسؤولية هذه الذيول والنتائج الإجرامية التي ترتكب اليوم في أغلب البلدان العربية والإسلامية، بسبب انتشار هذا الفكر الهدام، والتي لا يشك عاقل في أن الإسلام منها براء.

• لماذا أهدرت الجماعات الإرهابية دمك؟

- بصفتي داعية إسلاميا، وقفت أمامهم متحديا بأنهم ليسوا من الإسلام وكذلك حذرت الناس من أفعالهم، وتم استهدافي بالفعل أكثر من مرة، لكن أود أن أقول إن الفكر الإرهابي المتطرف مارس في الجزائر أخطر أنواع الضرر في الفكر التكفيري وهو الضرر الفردي، وهو ما يهدد المصالح والحياة الشخصية من فئة معينة، كرجل دين أو سياسة أو إعلام أو أي شخص من عامة الناس ومنها استباحة واستحلال دم أو مال بدون وجه حق، وهذا يخل بالسلام الاجتماعي بين البشر.

• هل تعتقد أن فوضى الفتاوى كان الباب الرئيس لانتشار الفكر المتطرف؟

- الواقع الذي نعيشه من فوضى الفتاوى ينبئ بأن كثيرا ممن يتصدون للفتاوى، خاصة من نشاهدهم في العديد من الفضائيات، ليسوا بأهل لها ولا تجتمع فيهم الأمور التي ينبغي لمن أفتى أن يتحلى بها، ولا شك أن هذا كان له الأثر السيئ في المجتمعات الإسلامية، فخلل التكوين الثقافي واللغوي والديني يدفع المتعصبين إلى الشطط والغلو وإصدار الفتاوى التكفيرية لأنهم لم يدركوا الفارق بين الاختلاف والمخالفة، فالتكفير لا يسارع إليه إلا الجهلة أو المتعصبون.

• برأيك ما الحل للقضاء على الإرهاب المتدثر بالدين؟

- المواجهة لابد أن تكون بالفكر، بحيث يتولى أمور الدعوة الإسلامية أشخاص موثوق بهم راجحو الفكر، دارسون للعلوم الشرعية، وعدم السماح للدخلاء بالتحدث باسم الدين، وأخذ الفتوى من مصادرها الشرعية فقط، حتى نستطيع غلق الباب أمام أصحاب الفكر التكفيري المائل إلى العنف، ونحن كدعاة مسلمين عقدنا مئات المؤتمرات والندوات التي تحذر من الإرهاب وتكشف صوره وتتبرأ منه، وهذه الأمور في مجملها طيب، لكن لا تصل لمرحلة التنفيذ، لذا أقترح أن تكون المواجهة جماعية، فليس بمقدور بلد وحده أن يقضي على الإرهاب، لأن الإرهاب اليوم أصبح عابرا للبلدان والقارات، ونتيجة التقدم التكنولوجي تشابكت أطرافه وتضخمت، لأن الإرهاب عندما فرغ من الجزائر ذهب إلى مصر ومنها إلى العراق واليمن وسورية وليبيا، لذا يجب محاصرته في وقت واحد، بكل الأدوات والوسائل وعندئذ سينقشع الإرهاب.