ليس مستغرباً أن تلقى هذه الأعمال استحسان الناس فهي تتكلم بلسانهم وتحمل نفساً جديدا بعيداً عن الأغنيات الثورية الماضية العابقة برائحة الحرب اللبنانية، والجميل أن هؤلاء الشباب ذهبوا في أعمالهم إلى الخطاب المباشر فسموا الأشياء بأسمائها بطريقة عفوية وصادقة من دون تجريح وسباب وشتائم.

Ad

كلن يعني كلن

{كلن يعني كلّن} أغنية لا تتخطّى دقيقتين مستوحاة من أبرز الشعارات التي يردّدها الشباب في يومياتهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسط بيروت دعما للتحركات الشعبية. وقد لقي الفيديو الخاص بها انتشاراً.

 يقول مؤسس فرقة {الراحل الكبير} خالد صبيح في دردشة مع {الجريدة} أن الأغنية السياسة والاجتماعية تأخذ الحيّز الأكبر في اهتمامات الفرقة، نظراً إلى الأوضاع التي يعيشها لبنان وباقي الدول العربية،  على غرار سورية والعراق.

يضيف: {تماشياً مع التحرك في شوارع بيروت كان لا بد لنا من تقديم عمل يتناسب وهذه الثورة الشعبية العفوية، ويبث الحماسة  بين الناس للمشاركة في هذا التحرك المطلبي، شعرنا أنها لحظة تاريخية،  لا سيما إن اللبنايين، على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم، اجتمعوا حول مطالب وطنية محقّة بعيدة عن الشعارات السياسة الكبرى، فقررنا أن يكون عنوان الأغنية {كلن يعني كلن}، للتشديد على أن الفساد والتعطيل في البلد لا يتحمل مسؤوليتهما فرد أو جهة، بل الطقم الحاكم من دون استثناء،  شارك كل أعضاء الفرقة بكتابة الكلمات وتم تلحينها سريعاً وعرضت على الشاشات وفي ومواقع التواصل خلال يومين}.

يعتبر بعض النقّاد أن الأغنيات الثورية أو التي تحاكي حقوق الناس وتعبّر عن مطالبهم وتحمل شعاراتهم وأهدافهم ليست أقل وقعاً من الرصاص، والدليل أن أصواتاً ولدت مع بعض الثورات العربية، غنَّى معها الشعبُ وتربى جيلٌ جديدٌ على أناشيدها، وأصبحت سلاحاً فتاكاً يصعبُ على النظام القائم مواجهتَه.

 يوافق صبيح  على ذلك مؤكداً أنه من خلال الفن يمكن لأي شخص التعبير عن رأيه ورأي الآلاف من  الناس وإيصال الصوت عالياً، داعياً كل صاحب موهبة أن يستغلها في هذه الظروف، دفاعاً عن حقوق بسيطة ليست إديولوجية أو فلسفية، بل مجرد حق بالعيش بكرامة، ورفض النفايات المكدسة على الطرقات التي تهدد حياة اللبنايين، ورفض واقع أننا في قرن  الحادي والعشرين نفتقر إلى الكهرباء.

يثني على اللافتات واللوحات التي تحمل عبارات سخرية أو نقداً وتعبّر عن وعي شبابنا «الذين لا يؤمنون بالعنف بل بالتعبير السلمي والفني، هؤلاء الشباب ملوا الشعارات والخطابات السياسية، وقرروا التعبير عن أنفسهم، فكانت ظاهرة الأغنيات واللوحات والرسوم على الجدارن، وغيرها من الأمور التي تصيب الهدف، ويشعر بها المسؤول الذي يخشى اليوم على مستقبله السياسي».

من يتابع الأعمال الفنية التي نشأت مع الثورات أول ما يلفته صدق كلماتها وعفوية الأشخاص الذين يؤدونها من دون التوقف عند الانفعالِ بالحدث بل تنامت معه وواكبت مراحلِه ومواجهاتِه وتحدياتِه.

يوضح صبيح أنه اعتمد مفردات بسيطة في أغنياته وسهلة، على غرار  «دونت ميكس» التي تتحدث عن الشارع المصري،  و{مولد سيدي البغدادي»  التي تنتقد داعش وحققت شهرة في الصحافة الأجنبية، واغنيات أخرى تنتقد بشار الأسد...

يتابع: {من يراقب هذه الأعمال يلاحظ أنها مباشرة في الطرح، فالأغنية النقدية اليوم لا تعرف اللف والدوران،  نظراً إلى حاجة الناس إلى خطاب مباشر وتسمية الأشياء بأسمائها، لا يمكن ان نقول إننا ضد السلطة من دون تسمية أفرادها وتياراتها وأربابها}.

في المقابل يشدد على الجرأة في التعبير عن الآراء في هكذا أعمال، بعيداً عن التجريح وقلة الأدب: {ليس المهم أن نضحك على شكل أحد الزعماء ونعيّره بالشتائم والسباب، المهم  فضح ممارسات سيئة، بهذه الطريقة نستطيع التأثير ولفت الانتباه.

يعمل صبيح في منذ 10 سنوات، ويلاحظ أنه في السابق كان  أي عمل  يحتاج منتجاً ليسوّقه بين الناس، أما اليوم ومع وجود مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الأمر أكثر سهولة والشهرة أوسع، {نستطيع تصوير أغنية عبر جهاز التلفون وتنزيلها على مواقع التواصل لتنتشر بين الناس، ونحن في البيت، هذا ما حصل مع أغنية البغدادي و«دونت ميكس} اللتين استقطبتا 90 ألف مشاهدة عبر {يوتيوب}، وبناء على  ذلك، تبحث وسائل الإعلام عنك وتطلبك.

تعبير من نوع آخر...

الفيديوهات القصيرة إحدى وسائل التعبير التي يعتمدها الشباب الثائر، خصوصا مع تطور مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلّت  انتشار أي فكرة بسرعة البرق. امتاز الشباب بسرعة البديهة، ما مكّنهم من مواكبة أي جديد بطرق نقدية مختلفة، وغالباً ما كان الاحتقان الذي يولّده العنف، دافعاً أساسياً لملاحظتهم واعتمادهم الفن أداةً للتعبير. 

قدم إدوين حرب قادري بمساعدة أصدقائه فيديوهات قصيرة ترجمت المعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني من جراء النفايات والكهرباء والفساد المستشري بقالب فني راقٍ وجميل، عرضت عبر شاشات التلفزيون كدعم للتحركات الشعبية القائمة.

يؤكد قادري، في حديثه إلى {الجريدة}، أنه لم يعد بالإمكان تجاهل نبض الشارع وقوّة تأثيره على السلطة الحاكمة، فجزء كبير من اللبنانيين، حسب رأيه، انتفض وقرر قول لا للطائفية ولا للفساد ولا للطقم الحاكم.

يضيف:}سيبقى هذان الشهران راسخين في ذاكرة اللبنايين مهما كانت نتائج هذه التحركات،  وأمام هذا الواقع،  شعرت بأن علي القيام بشيء لدعم هذه التحركات، كوني مخرجاً، وبما أننا في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن إيصال الرسالة سريعاً وإلى أكبر شريحة من الناس، جاءت فكرة تقديم فيديوهات قصيرة (من 40 إلى 50 ثانية)، تتميز بصورة راقية لا تخدش العين ولا تظهر مشاهد عنف أو قوّة...  تهدف إلى التشديد على أنه من غير المقبول العيش من دون كهرباء (موضوع الفيديو الأول) أو العيش  بين النفايات (موضوع الفيديو الثاني)، ولا يمكن تجاهل مطالب الشعب المحقة بعد فترة من التحركات الشعبية، والنفايات تتراكم اكثر وأكثر على الطرقات، فيما ينشغل المسؤولون بالتفاوض والتآمر (موضوع الفيديو الثالث).

يصف الأصداء التي تحققها هذه الأعمال بالجيدة، ويلمس ذلك من خلال التعليقات عليها عبر  مواقع التواصل الاجتماعي التي أجمعت على أنها خير تعبير عما يجول في خاطر الناس من أفكار رافضة لهذا الواقع المؤلم.

يضيف ألا داعم لهم بل هم مجموعة من الشباب يحلمون ببلد حضاري ويرفضون الطائفية، غايتهم ليس استغلال الظرف وتحقيق شهرة معينة بل دعم التحركات، شاكراً الشركات التي قدمت معدات وكاميرات لهم لترجمة أهدافهم السامية.

حول الأعمال التي  تقدمها بعض الفرق الداعمة للتحركات الشعبوية، يشير إلى أنها رائعة كونها اجتمعت من أجل قضية واحدة نبيلة، معتمدة الفن رسالة لإيصال الصوت عالياً ومحاربة العنف والفساد المستشري في السلطة.

وعما إذا كان شارك على الأرض في التحركات يؤكد: {منذ اليوم الأول تظاهرت مع الشباب وتعرضت لما تعرضوا له، لكني كنت أعود إلى بيتي مبتسما ليقيني بأن الشباب اللبناني بدأ ينزع عنه رداء الطائفية، ويتوحد على مطالب واحدة محقّة، إنه انتصار بحدّ ذاته، لا يمكن للتحركات الشعوبية أن تحصل على حقوقها بيومين، فالمشوار طويل أمامنا وأنا سعيد  بدعمي هذه التحركات من خلال أعمال فنيّة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفيديو الثاني مثلا الذي قدمته حقق أكثر من 800 ألف مشاهدة على {فيسبوك} ما يعني أن الرسالة وصلت  وتفاعل الناس معها، كذلك عرض على  الشاشات اللبنانية ما أسعدني وأشعر للمرة الأولى بأنني مواطن لبناني حقيقي}.

مشاريع قيد التنفيذ...

تفاعلاً ودعماً للتحركات الشعبية قدّم الثنائي الكوميدي «عصعوص» (أنطوني حموي، وشانت كبكيان) أغنية {نهاد} الساخرة من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي يطالب المتظاهرون باستقالته...

يقول حموي إنه ومجموعة من الفنانين والإعلاميين أسسوا على «فيسبوك» صفحة «دفاع» لدعم الحركة الشعبية التي يعتبرها الأولى غير الحزبية، وصوت الأكثرية الصامتة التي يعتقد السياسيون أنها أقليّة، وأكثر ما شجعهم على تقديم أعمال تترجم أفكار هؤلاء الشباب ومطالبهم، إيمانهم بأن هذا الحراك يثبت أن آلاف اللبنانيين سئموا الوضع الراهن،  ويطالبون بالحد الأدنى من الحقوق، أولها معالجة موضوع النفايات المنتشرة على الطرقات، وهي بمثابة فضيحة للبنان أمام السياح وأمام اللبنانيين،  وتؤذي الصحة، فضلا عن التلوث الذي بات يهدد كل إنسان على أرض هذا الوطن.

حول أغنية «نهاد»  يقول: «من خلال أغنيات نقدية كوميدية تتمحور حول مطالب محقّة وفي مكانها بطريقة سلسة ومسلية، يمكن إيصال رسالة إلى الناس أو التعبير عن رأي جزء كبير من الجمهور، ورفع الصوت عالياً، فهل من المقبول أن يترك وزير داخلية البلاد ويغادر للاستجمام وهو على علم  بأن تظاهرة فريدة من نوعها ستنطلق  في بيروت؟! إضافة إلى أعمال الشغب والعنف التي حصلت».

يتابع: «حقق العمل خلال يومين أكثر من 95 ألف  مشاهدة، وهذا دليل واضح على أن، من خلال الفن والكوميديا الجميلة، يمكننا الوصول إلى جزء كبير من الناس والتأثير فيهم، كثر تشجعوا ونزلوا إلى الساحة وتناقلوا الأغنية عبر حساباتهم كونها تعبر عن رأيهم، خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي تسهل نشر الأفكار والأعمال كذلك تحدثوا عن العمل عبر النشرات الإخبارية}.

يدعو حموي كل من يمتلك موهبة أو فكرة إلى تنفيذها، فمن خلال الفن والثقافة يمكن الوصول إلى  التغيير،  وحول رأيه بالفرق والفيديوهات التي تقدم أعمالا دعما للتحركات الشعبية القائمة يقول: {سئم حتى الحزبيين منهم الاستماع  إلى هذا الزعيم او ذاك، يريد الناس العيش بكرامة في بلد صالح، حين بدأت التحركات الشعبية العفوية شعر البعض أنهم يريدون إيصال صوتهم بطريقة معينة،  فنفذت أعمال فنية عفوية عبّرت عن تطلعات الشباب اللبناني}.

يتابع:}لا نريد شغباً أو فوضى بل التحرك بحضارة، وهذه الأعمال أسلحتنا في وجه السلطة والفساد}.

حول فيديو {فسلفة}  يشير إلى أنه بسيط، يصوره وهو يقود السيارة مع صديقه شنت ويرتجلان مواضيع حول ما يحصل في البلد بطريقة كوميدية وخفيفة. وعما إذا كانت  ثمة أعمال جديدة يحضران لها يوضح: {انتهينا من أغنيتين ستبصران النور قريبا دعماً للتحرك، فهو سيكون محور اهتمامنا اليوم ونتمنى ان يدعمنا الجميع من داخل لبنان وخارجه}،  لافتاً إلى أن المؤسسة اللبنانية للإرسال وتلفزيون {الجديد} من أكثر الداعمين لهما.

«طلعت ريحكتن»

أصدر المغني اللبناني شادي فرح أغنية «طلعت ريحكتن» من ألحانه ومن كلمات موريس سعيد، تبعه الفنان علاء زلزلي بأغنية تحمل العنوان نفسه (كلمات عمرو منصور، وألحان علاء زلزلي) يقول مطلعها: «فاقوا ولاد البلد وقاموا والشعب لمّا يريد ما حدا بيوقف قدّامو»، وعلي بركات بأغنيته «طلعت ريحتكن». إلا ان هذه التجارب لم تلقَ استحساناً في أوساط المتحمّسين للمشاركة في تظاهرات.

يقول فرح في اتصال مع {الجريدة} إنه لم يقصد استغلال هذه التحركات الشعبية لتقديم أغنية يحقق من خلالها شهرة إضافية على حساب تعب المتظاهرين، بل  دفعه إيمانه بهذا التحرك المطلبي العفوي وبفساد أهل السلطة،  إلى تقديم عمل فني يدعم من خلاله هؤلاء الشباب الطامحين للعيش في بلد لا تحكمه النفايات والسرقة والمؤامرات، بلد يحقق لهم طموحاتهم ولا يدفعهم إلى الهجرة.