عشرون دقيقة كاملة تنقضي من أحداث فيلم {نوم التلات} من دون أن تفهم شيئاً، وربما ظلمت الفيلم وغادرت قاعة العرض وأنت تصب عليه اللعنات، في حال أصدرت حكمك النهائي بأنك بصدد لغو فارغ، ولهو رخيص، ومواقف لا رأس لها ولا رجلين؛ حيث البطل {معتز} - هاني رمزي – الموظف في مصلحة الشهر العقاري، الذي يقع، فجأة، في غرام {ندى}- إيمان العاصي – التي تتردد على المصلحة لإنهاء شأن خاص، وتسايره من دون مبرر ثم تدعوه إلى عيد ميلادها من دون مناسبة، ويذهب إليها حاملاً علبة الهدية، التي يرقد في داخلها قط شوارع وجده أرخص ثمناً من القط السيامي أو الشيرازي الذي أراد أن يهديها إياه، وفي عيد الميلاد يزعم أنه عازف بيانو، ومطرب ينافس عمر خيرت في الغناء (!) ومع هذا لا ينتهي الأمر بفضيحة، بل تهديه صاحبة المناسبة هدية كنوع من رد الجميل!

Ad

{لخبطة} مستفزة، و}تخبط} مُقبض، لكن مع الدقيقة العشرين ينقلب شعورك رأساً على عقب، فالبطل {معتز} يستيقظ من نومه ليعثر على امرأة مُقيدة ومكممة الفم في خزانة ملابس حجرة نوم في فيلا مجهولة، ويذهب إلى مقر عمله ليفاجأ بأن المصلحة تعرضت للسطو، وخزانة أموالها للسرقة، وفي التحقيق يُقسم رفاقه أنه، مذ تم تعيينه في المصلحة، اعتاد الغياب يوم (الثلاثاء) من كل أسبوع!

هل نستطيع القول إن كاتب القصة والسيناريو والحوار فادي أبو السعود يقدم تنويعة جديدة على الشخصية الازدواجية أو الانشقاقية كما اصطلح على تسميتها الطب النفسي، وسبق تقديمها في عشرات الأفلام العالمية؛مثل {دكتور جيكل ومستر هايد} في السينما الأميركية و}بئر الحرمان} في السينما المصرية... وغيرهما؟

هو كذلك لكنها {ازدواجية اليوم الواحد}، التي فرط فيها بشكل عجيب، فالبطل يستجيب لنصيحة صديقه {سراج} - هشام إسماعيل - ويُسلم نفسه للطبيب النفساني {هادي} - حسن حسني – الذي يؤكد له، في دعابة سخيفة، أن {غالبية الثورات والحروب حدثت يوم الثلاثاء كونه اليوم الذي يُفجر مكبوتات الإنسان لسبب غير مفهوم}، ويُخضعه، مثل سائر الأفلام الكوميدية القديمة، لجلسة تنويم مغناطيسي يكتشف فيها مكنوناته التي تسببت في {الشيزوفرينيا} التي أصابته، ومن جانبه يستميت المخرج إيهاب لمعي في البحث عن لغة سينمائية تُضفي على الفكرة إبهاراً، وعلى المعالجة سحراً، إذ يوظف المونتاج (عمرو عاكف) والصورة (إيهاب حامد) والموسيقى (وليد الشهاوي) والديكور (محمد مراد) والجرافيكس (أحمد سمير وعبد الخالق غياض) لإضفاء خيال رائع على الشاشة نُبحر خلاله مع البطل في عوالم الطفولة والطبيعة غير أنه يرتد، فجأة، إلى السينما التقليدية، ويُصر على تقديم هاني رمزي لأغنية لا معنى لها، ثم يترك للمؤلف العودة إلى {التخبط} و}اللخبطة} من خلال مواقف درامية مرتبكة وملفقة تعود الفتاة خلالها للظهور، وكأن ما رأيناه في العشرين دقيقة الأولى أمر طبيعي، ويتكرر اتهام البطل بأنه يقف وراء الجرائم التي تقع يوم الثلاثاء، وتتكرر المواقف الكوميدية الغليظة، التي تفضح تراجع أداء هاني رمزي، وسعيه إلى تعويض هذا التراجع بمبالغات فجة، واجترار واضح لنفس الطريقة التي أدى بها بعض أدواره السابقة، وهو المرض الذي يُصيب هشام إسماعيل، الذي يبدو تائهاً وباهتاً وبعيداً عن التركيز، وفشل في إقناعنا بأنه {السنيد} أو صديق البطل، قبل أن نصل إلى حل اللغز!

 هل كان يمكن لفيلم {نوم التلات} أن ينجح، ويلقى تجاوباً جماهيرياً ونقدياً كبيراً، في حال اختيار بطل آخر غير هاني رمزي، الذي بدا بعيداً عن لياقته الفنية والذهنية؟

 ربما لكن أزمة الفيلم ليست في هاني رمزي فحسب، لكنها في السيناريو الذي تخلى عن البساطة وجنح إلى التعقيد والغموض، وتأرجح بين الرغبة في تقديم فيلم كوميدي خفيف وبين الادعاء أنه يناقش ظاهرة {تطور نوع المرض النفسي في مصر وظهور أمراض لم يعرفها العلم من قبل}، وهو ادعاء خائب جرى طرحه في الدقائق الأخيرة من الفيلم، الذي بدا وكأنه {يرقص على السلالم}، ورغم الطموح الواضح للمخرج إيهاب لمعي في الوصول إلى نتيجة أكثر نجاحاً، من حيث الأسلوبية، مقارنة بأفلامه السابقة مثل : {من نظرة عين} (2003)، {كان يوم حبك} (2005)، {على الهوا}، {علاقات خاصة} (2006) و}الديكتاتور} (2009) إلا أن أنفاسه تقطعت في منتصف الطريق، وراح يحشو الفيلم بمشاهد زائدة، كمشهد أغنية {سيلفي}، الذي حشد فيه الأجساد العارية للحسناوات من كل الجنسيات، وفي ظنه أنه يحاكي أغنية {كابوريا}، والعجيب أن هاني رمزي في الأغنيتين يجري وتجري خلفه الحسناوات ثم تنتهي الأغنية من دون أن نعرف لماذا غنى؟ ومم كان يجري؟