«المكارثية» الجديدة والرد المناسب!
أشارت بعض وسائل الإعلام البريطانية قبل ثلاثة أيام إلى أنَّ الاعتداءات على العرب، بعد جريمة باريس الأخيرة، قد تزايدت بنسبة ثلاثمئة في المئة في دول الغرب الأوروبي، والمعروف أن هناك شبه أجواء "مكارثية" معادية للجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك إلى حدِّ أن "الجمهوريين" الذاهبين إلى انتخابات رئاسية بعد نحو عام قد طالبوا بعدم قبول أي لاجئين سوريين على أراضي بلادهم، وإلى حدِّ أنَّ بعض المسافرين العرب قد مُنِعوا الصعودَ إلى إحدى الطائرات لأنهم تكلموا في ما بينهم باللغة العربية.وبداية يجب التأكيد على أنَّ تناول هذه المسألة والحديث عنها لا يعنيان إطلاقاً الدعوة إلى "الردِّ على الصاع بصاعين"، بل العكس تماماً، إنه يعني أن علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي إزاء احتمال أنْ تؤدي موجة العداء هذه في بعض دول الغرب إلى موجة عداءٍ مماثلة ضد الأوروبيين والغربيين عموماً في بلادنا، فهذا إنْ حصل فإنه يعني أن "داعش" ومعه باقي التنظيمات الإرهابية، قد حقق ما يريده، والمعروف أن ما يريده هو إشعال نيران مواجهات دينية في العالم بأسره، وأن يَظْهر على أنه المُدافع عن العروبة والإسلام وحامي حماهما في الغرب والشرق وكل مكان.
لقد كانت هناك في بعض الدول الغربية نزعة معادية للمسلمين وللعرب، حتى قبل أن يظهر "داعش" إلى الوجود، وكانت هناك تعديات قديمة على هؤلاء في بعض الدول الاسكندنافية، وأيضاً في ألمانيا، وبقي هذا مقتصراً على بعض التنظيمات المتطرفة وعلى بعض المجموعات "الهامشية" الاجتماعية والسياسية، لكن ما حدث في باريس وما حدث في بروكسل وما حدث أيضاً لطائرة سيناء الروسية قد زاد هذه "الجرعة" العنصرية في الغرب عموماً، ولعل الأخطر في هذا المجال أن تقع عمليات إرهابية جديدة، إنْ في إحدى الدول الأوروبية وإنْ في الولايات المتحدة. لكن، ومع هذا كله، يمكن القول إن هذه الظاهرة لا تزال محدودة حتى الآن، وإنه بالإمكان معالجتها ليس بالرّد على هذه الحملات "المكارثية" التي تستهدف العرب والمسلمين في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة بحملات مضادة تنسجم مع ما يريده "داعش" ويسعى إليه، وإنما بأخْذِ الأمور من قبلنا على محمل الجد والقيام بحملات توعية إعلامية لإفهام الأوروبيين والأميركيين أن الإرهاب الذي يستهدفهم الآن يستهدفنا، بل قد استهدفنا قبلهم، وأنه للقضاء على هذه الآفة التي أصبحت تهدد العالم كله لابد من التعاون ولابد قبل ذلك من الابتعاد عن ردّات الفعل الانفعالية ذات الطبيعة الدينية.وعلى الجامعة العربية ألا تكتفي بالبيانات "المُناسباتية" الموسمية، فهذه مسألة في غاية الخطورة والأهمية، والمطلوب أن تكون هناك خطة عملية تأخذ بعين الاعتبار مخاطبة الغرب باللغة التي يفهمها والتي تؤثر فيه وتعزز قناعته بأن العرب والمسلمين قد استُهدِفوا من قبل هذا التنظيم الإرهابي "داعش" قبل أن يستهدفهم... وهذا مطلوب أيضاً من قبل البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية، وأيضاً من الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة وفي الغرب كله.ثم لعل الأهم هو ألا نكتفي في مجال مخاطبة الغرب بإعلامنا "المتثائب" هذا، المرئيّ والمقروء والمسموع، فالأهم هو اللجوء إلى الإعلام الغربي المؤثر فعلاً، وهو أن يكون لنا وجود فاعل في الصحف الغربية الناجحة، وعلى الشاشات الفاعلة وفي الإذاعات المسموعة... علينا أن نخاطب الأوروبيين والأميركيين لا أن نخاطب أنفسنا... فالمسألة أخطر كثيراً مما يعتقد البعض ويتصور... لذا لابد من التحرك الآن لأن هذه الظاهرة لا تزال محدودة، وبالإمكان معالجتها قبل أن تستشري وقبل أن تؤدي إلى "اشتباكات" وحروب دينية – دينية ستكون عواقبها مكلفة ووخيمة!