«طابق 99» الرواية الثانية للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لهذا العام، وقد سبقتها روايتها "هي والأخريات" أيضاً، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وما بين الأولى والثانية هناك فرق في طريقة السرد، لم يتقدم إلى الأمام، لكنه تراجع إلى الخلف، وهذا بحسب رأيي وإحساسي وتقديري الخاص بي، لأنه بحسب تقدير النشر فهذه هي الطبعة الثانية للرواية، وبرأيي الكتاب انسي الحاج وصلاح فضل وإسكندر حبش الذي وضعته الكاتبة على الغلاف الداخلي لروايتها كلهم يشيدون بكتابتها، لكن كلامهم ليس موجها لهذه الرواية، فهم كتبوه عن روايتها "هي والأخريات" التي بالفعل تستحق الإشادة بها، وقد كتبت عنها مقالا وقتذاك أشيد بها كرواية غاصت في عالم المرأة الداخلي بحساسية وعمق كبيرين، كما أنها فضحت عالم النساء المعنفات بذكورية الرجل، وبسبب روايتها هذه أحببت أن أقرأ روايتها الثانية «طابق 99»، لكني فوجئت بمستواها الكتابي الذي اختلف عن روايتها "هي والأخريات"، التي كانت مفعمة بالإحساس القوي الصادق المتدفق من السرد، وهو الذي لم يتوفر في «طابق 99».

Ad

الكاتبة في هذه الرواية دارت حول شخصية بطلها الفلسطيني من خارج الشخصية، كتبت كل حياته وسطرتها من خارجها، والكتابة عندما تكتب كتسجيل وإعادة تسميع لأحداث وقعت لبطلها تأتي باردة لا تمس المشاعر، فحين يُكتب عن شخصية ما يجب أن يكون الكاتب هو هذه الشخصية بلحمها ودمها وشبكة أعصابها وخلاياها، وليس ما يُحكى عنها، وهو ما أفضله فيما أقرأه من روايات أن يتحول الكاتب إلى ما يكتب عنه حتى لو كان بطله عصفورا أو نهرا أو صخرة، يجب أن يكون الكاتب هو بذاته الصخرة والعصفور والنهر، أي ان تتوحد ذاته بما يكتبه ويتقمصه، لا أن يدور حوله من خارجه، فتأتي الكتابة باردة مثلجة ومملة، ما جعلني أتغصب قراءتها بلا أي شعور بالمتعة الفنية أو الأدبية، ولم تشدني إليها في أي مشهد كان، وربما يكون أحد أسباب عدم جاذبيتها هو شعوري بأني أقرأ صفحات من المحفوظات التي عشناها وشاهدناها في زمن الثمانينيات من القرن الماضي لأحداث مجزرة صبرا وشاتيلا وما تلاها من فظائع حروب عاصرناها، ولم تعشها الكاتبة بسبب صغر سنها وقتذاك، ما جعلها تنظر إليها كأسطورة أحبت أن تكتب عنها فاختارت لها بطلا فلسطينيا أعادت سرد وقائع المذبحة على لسانه، وبلا شك هناك أجيال كبرت ولم تعرف عن تاريخ هذه المجزرة، وبالتأكيد ستقرأ هذه الرواية وتتعاطف مع بطلها الذي عاش وتجرع مأساتها.

لذا لا أحب أن أعطي انطباعا ظالما فيها، فما أحبه في الكتابات شرط لا ينطبق على الجميع، وهناك الكثيرون ممن قد تستهويهم طريقة الكتابة هذه، خاصة من هذه الأجيال التي لم تسمع بمذبحة صبرا وشاتيلا وستجد في الرواية ما خفي عنها.

هذه الرواية ذكرتني بنفسي حين كتبت عن "النواخذة" الذين هم كبار قباطنة أعالي البحار في زمن الكويت ما قبل ظهور البترول، وكنت مبهورة بهم وكأني وقعت على كنز حين كتبتهم بانفعال وشغف، خلقت منهم أسطورة إنسانية، ولو على فرض أنه تواجد واحد منهم وقرأ ما كتبته عنهم وعن زمنهم هل يا ترى سيكون شعوره ونظرته إلى ما كتبته عنهم بذات شعوري وإحساسي بهم؟!

وهذا ما قصدته عن أن هناك أجيالا لم تعش أحداثا مضت قبل وجودها، وباتت تراها كما رأيت زمن النواخذة، لكن المهم كيف نكتب الأحداث التي ماتت وكأنها لم تمت، وأنها تحدث الآن ونحن نعيشها معهم وفيهم ومن خلالهم، أن يُكتب عن زمن ولى يجب أن نستحضره بكل نبضه وتدفق دمه وليس تسميعا عنه.

شخصية البطل الأعرج الذي يحمل ندبة بوجهه كان إحساسه بإعاقته مبالغا فيه، وكون هذه الإعاقة أخذت حيزا كبيرا في الرواية أيضا مبالغا فيه، فماذا يعني أن يكون الشخص أعرج أو يحمل ندبة بوجهه خاصة أنه كما يقول عن نفسه إنه ليس بشعا وإنه طويل وناجح بعمله وعنده عشيقة يحبها وتحبه، فأين هي المشكلة من هذه الإعاقة التي أخذت صفحات كثيرة من الكتابة في زمن نرى فيه إعاقات حقيقية وكبيرة ولا تؤثر على أصحابها؟