التسامح والجريمة

نشر في 20-11-2015
آخر تحديث 20-11-2015 | 00:02
 أ. د. فيصل الشريفي التفجيرات الأخيرة التي ضربت فرنسا وراح ضحيتها الأبرياء هي نفسها التي تضرب مجتمعاتنا، حتى إنها لم تترك بلداً إلا أدمته بنفس الحجج، وللأسف بأيدي مسلمين يراهم العالم منا وامتداداً لنا، رغم كل أشكال الاستهجان والمواساة التي نبديها، لأننا لم نستطع منع هذا الفكر المنحرف من الانتشار.

التسامح كلمة جميلة تسمو بها الأخلاق وترتفع معها القيم الإنسانية، وقد ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موقع، ومنها قوله تعالى "فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ"، وقوله جل وعلا "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".

عند قراءة هاتين الآيتين، يتبين أنهما جاءتا بصفة الجمع والمفرد، مما يدل على أهمية التسامح كسلوك فردي ومجتمعي يحمل دلالات واضحة على الدور الإنساني الذي يمكن أن تلعبه لغة التسامح في درء وتجاوز الأزمات التي قد تتفاقم إن لم نفعل هذا المفهوم.

قد نكون في الكويت أحوج الناس إلى هذه الكلمة لوجود الكثير من الغلو على المستوى الاجتماعي والسياسي والمذهب، والذي يتطلب فتح حوار وطني لا يقف عند الأسباب التي لا تغيب عن أي متابع، بل يجب أن يصل إلى كيفية وضع الحلول المناسبة بتقديم مصلحة الكويت ووضعها فوق أي اعتبارات أخرى.

المجتمعات، على مر التاريخ، عانت الكثير من المآسي، ولم تستطع تجاوزها إلا من خلال طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ترتكز مقوماتها على البعد الأخلاقي وقبول الآخر ونبذ كل أشكال التطرف الذي يهدد العالم بأسره، وما أحداث السنوات الأخيرة إلا شاهد على أن هذا الفكر المتطرف متى وجد التربة الخصبة يصبح من الصعوبة السيطرة عليه.

ما يحز في النفس أن بعض المسلمين قد تخلوا عن القيم السماوية وأباحوا لأنفسهم كل أنواع الجريمة، مما أتاح المجال للتقول على الإسلام، ذلك الدين العظيم الذي جمع رسوله الكريم، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كل القيم الأخلاقية التي تحاول، وللأسف، جماعات التطرف تشويه صورته الجميلة.

التفجيرات الأخيرة التي ضربت فرنسا وراح ضحيتها الأبرياء هي نفسها التي تضرب مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، حتى إنها لم تترك بلداً إلا وأدمته وبنفس الحجج وللأسف بأيدي مسلمين، وإن كنا ننكر عليهم إسلامهم، لكن العالم يراهم منا وامتداداً لنا، رغم كل أشكال الشجب والاستهجان والمواساة التي نبديها، لأننا لم نستطع منع هذا الفكر المنحرف من الانتشار والقيام بمخططاته الخبيثة.

المشكلة فينا وبين أضلعنا مادام هناك من يفرح بالمقتول ولا ينظر إلى القاتل، وهؤلاء فقط لا يمكن التجاوز عنهم أو مسامحتهم، لأن نواياهم لا يمكن قبولها أو الالتقاء معهم عليها، فهي شيطانية تتبني فكر الدم.

ليس من الإنصاف أن نكون الضحية والجلاد في نفس الوقت، فإن كان العالم تداعى إلى تفجيرات باريس وأعلن الحرب على الإرهاب، فما بال البعض منا يتشفى بمصائب الأبرياء وهم أيضاً منا، راجياً من الله، عز وجل، أن يقينا شر الإرهاب وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق.

 ودمتم سالمين

back to top