منذ عدة أعوام تناقلت الصحف خبر اتفاق شركة «غود نيوز» والنجم عمرو دياب على القيام ببطولة فيلم بعنوان «المتمرد»، ولإضفاء مصداقية على الخبر لجأ بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشر ملصق للفيلم يتصدره عمرو دياب وتظهر في خلفيته صورتان لمنى زكي وأحمد السقا، بينما اكتفى بالتنويه إلى اسم نور الشريف واسم المخرج شريف عرفة.

Ad

 يومها، بادرت الشركة المنتجة بنفي ما تناقلته وسائل الإعلام، وأكدت في بيان رسمي لها أن ما قيل إنه ملصق الفيلم ليس سوى صورة مفبركة لـ «بوستر» فيلم وهمي تم تركيبها بشكل غير احترافي، كما أنها تجمع صورة قديمة لعمرو دياب والسقا ومنى زكي!

يقولون في الأمثال الشعبية المصرية «مفيش دخان من غير نار»، وما نعرفه جميعاً أن ثمة مشروعاً سينمائياً تم الاتفاق عليه بين الكاتب والسيناريست مدحت العدل والمطرب عمرو دياب للبدء في تصوير فيلم بعنوان «المتمرد»، لكنه تعطل أكثر من مرة لأسباب مختلفة، من بينها عدم انتهاء «العدل» من كتابة السيناريو، وهو ما نفاه بقوله: «تحدثت مع دياب حول الفيلم، وفي انتظار تفرغه من أعماله الغنائية كي نجلس سوياً، ويقرأ السيناريو الذي انتهيت من كتابته أخيراً، كما اتفقت مع شركة غود نيوز غروب على إنتاجه».

 الطريف أن هذه المهاترات لم تتوقف منذ العام 2006، ومن ثم أصبحت الفرصة مهيأة لشاب يُدعى رامي دياب ليُطلق اسم «المتمرد» على فيلم روائي طويل لا علاقة له بمشروع العدل/ دياب، بل يمكن القول إنه تنويعة جديدة على أفلام المقاولات، فالشاب النرجسي لم يكتف بالقيام ببطولة الفيلم، وإنما تولى مسؤولية المونتاج والتأليف والإخراج، كما كتب كلمات أغنية الفيلم «قالوا عليا متمرد»، وكان متواضعاً للغاية عندما رفع يده عن التلحين، وترك المهمة لآخر!

يبدأ فيلم «المتمرد» (86 دقيقة) بلوحة تحمل عبارات إنشائية جوفاء لا تخلو من أخطاء هجائية، لكن صاحبها ارتكب جرماً فادحاً عندما دس من خلالها عبارة تقول: «منح الحرية لجاهل كمنح السلاح لمجنون»، وكأنها من تأليفه بينما هي جملة مأثورة للكاتب العالمي فيكتور هوغو يقول فيها: «تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل لأن منح الحرية لجاهل كمنح سلاح لمجنون» (!) أي أن التدليس عنوان للتجربة من بدايتها، وبالتالي لا نستغرب ما جرى فيها من بدائية وسطحية وجهل بحرفيات الفيلم السينمائي، ووهم يسيطر على شاب غر تخيل أن عدة أيام في ورشة التحق بها، كما قال في أحد البرامج، كافية لأن تجعل منه ممثلاً ومخرجاً ومونتيراً ومؤلفاً وملحناً ومطرباً إذا لزم الأمر!

«عمر البنا» هو الشاب «المتمرد» الذي خسر نفسه، كما قال لصديقه، وتخلى عن حبيبة طفولته «سما»، وتحول إلى «الجوكر» المُطارد بوصفه إرهابياً ارتمى في براثن التطرف والعنف، ولجأت الأجهزة الأمنية إلى دس حبيبته القديمة، باعتبارها نقطة ضعفه، في طريقه للإيقاع به، والتوصل إلى معلومات دقيقة عن الشبكة الإرهابية التي يعمل لحسابها، والتي صورها الفيلم وكأنها شبكة من البلطجية وأرباب السوابق، لكن المفاجأة التي يدخرها السيناريو لجمهور الفيلم أن «عمر» لم يكن سوى ضابط سابق في الداخلية، وقف ضد الظلم، وأصر على مواجهة الفساد، وفضح أباطرته، فكانت النتيجة أن دفع الثمن غالياً، بعد صدور قرار بإيقافه وإقصائه عن العمل، واعتقاله ثم تعذيبه قرابة الستة شهور، لكنه احتفظ لنفسه ببعض المتعاطفين داخل الجهاز الأمني، ممن يسربون له الأسرار، وفي أروقة الصحافة حيث أحبوا معدنه، وأزعجهم الظلم الذي تعرض له!

ما يريد الفيلم قوله، في ارتباك واضح، ورؤية مضطربة، أن الشرفاء من رجال الداخلية (الضباط السابقون) تحولوا إلى متطرفين وإرهابيين، بفعل الظلم الذي طاولهم، وكأنه يبرئهم، ومعهم أسماء ماثلة في الأذهان، من جرائمهم التي ارتكبوها على أرض الواقع، أو يمنحهم المبرر لارتكابها، وهي رسالة خطيرة تبناها الفيلم الفقير إنتاجياً بدرجة ملحوظة، فإضافة إلى الوجوه التي لا تعرف لها جذوراً ولا تتمتع بموهبة، وتفضحها مخارج ألفاظها، مثل: مصطفى عبد الحميد، عبد الله رأفت، محمد عصام، محمد ربيع، أحمد دياب، ريهام علي وبيرهان، ومن قبلهم رامي دياب نفسه، يعاني العمل رداءة في تسجيل الصوت، وفشل في إدارة الممثلين، وسوء اختيارهم قبل توظيفهم، واستخدام عشوائي للموسيقى والأغنية الهندية، وزج مفتعل للسياسة، عبر القول إن «عمر» صاحب قضية قومية، ولهذا قتل السفير الإسرائيلي في قلب القاهرة، ويؤمن بالعدل والمساواة، وضرورة التخلص من الفقر والظلم، ومع هذا يفكر في الهروب من الوطن بجوازات سفر مزورة قبل أن يكتب السيناريو الهزلي نهاية أخرى عبثية تليق بهذا «المتمرد» الأرعن (!)