حسمت محكمة التمييز براءة رئيس تحرير «السياسة» من تهمة الإساءة إلى الرسول، واعتبرت أن تغريدات الجارالله لا تتضمن أي تحقير للدين.

Ad

أكدت دائرة التمييز في محكمة الاستئناف برئاسة المستشار نايف المطيرات وعضوية المستشارين عبدالناصر خريبط وهشام عبدالله في حكم بارز لها في القضية المرفوعة من الادعاء العام ضد رئيس تحرير جريدة «السياسة» الزميل احمد الجارالله ان التغريدة التي قام بكتابتها عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) بشأن «الرسول» ليست رأيا وانما تدوين بحسب علمه وفهمه لمعلومة تاريخية تتعلق بسيرة سيد الاولين والآخرين قبل بعثته، وتتعلق بفترة صباه، وهي ان كانت تعوزها الدقة او جانبها الصواب من غير قصد فهي ليست رأيا يعبر عن فكر قائلها وانما معلومة كان يعتقد بصحتها ولم يكن موفقا في صياغتها.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها الذي انتهت فيه الى براءة الجارالله والغت حكم محكمة اول درجة ومن بعد الاستئناف بحبس سنة مع الشغل والنفاذ، ان التغريدة التي قام بكتابتها الجارالله لا تتضمن تصغيرا او تحقيرا للدين لانها تتعلق بمرحلة عمرية للنبي محمد خاتم الانبياء والمرسلين قبل بعثته ونزول الوحي عليه ولا تمس اخلاقه الشخصية وهو ذو خلق عظيم.

واضافت المحكمة في حكمها ان التغريدات المتبادلة على «تويتر» تشبه الحديث المتبادل الذي لا روية ولا مراجعة ولا تنقيح ولا يمكن محاسبة المغرد بذلك الموقع ككاتب صحافي في مقالة، اذ ان ظروف تدوين المقالة تتيح لكاتبها اعادة مراجعتها وتنقيحها وحذف ما لا يصلح والاضافة والتعديل فيها وفي ما يلي نص حيثيات حكم التمييز:

اقتناع المحكمة

أكدت محكمة التمييز في حيثيات حكمها ان المتهم انكر ما نسب اليه في التحقيقات من تهم وقرر بانه مسلم لم يقصد الاهانة او الاساءة لمقام الرسول عليه الصلاة والسلام، وانه ابتدأ تغريدته بذكر الصلاة عليه والسلام، انه استشهد بالرسول صلى الله عليه وسلم بانه كان يرعى الغنم، لبيان ان العمل الشريف لا يعيب صاحبه، وحال علمه بخطئه واستغلالها من الغير قام بمسحها.

وانه بجلسة المحاكمة حضر المتهم وانكر الاتهام ونفى ان يكون قاصدا الاهانة وقدم اعتذاره لما بدر منه وانه سبق ان مسح التغريدة من حسابه.

واوضحت المحكمة في حيثيات حكمها ان العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع محكمة الموضوع بناء على الادانة المطروحة عليها بادانة المتهم او ببراءته، كما انه يجب ان يكون الدليل الذي تعول عليه المحكمة مؤديا الى ما يرتبه الحكم عليه من نتائج  من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وان القضاء بالادانه يجب ان يؤسس على الجزم واليقين وعلى الواقع الذي يثبته الدليل لا على الظن والتخمين، وانه يكفي ان تشكك محكمة الموضوع في صحة اسناد التهمة الى المتهم لكي تقضي له بالبراءة، اذ مرجع الامر في ذلك الى ما تطمئن اليه في تقدير الدليل مادام حكمها يشتمل على ما يفيد انها محصت الدعوى واحاطت بظروفها وبادلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين ادلة النفي فرجحت دفاع المتهم او داخلتها الريبة في عناصر الاثبات.

التغريدة ليست رأياً

وبينت المحكمة انها لا تطمئن الى الركيزة الاساسية للاتهام التي ينحصر نطاق تأثيمها على محض الآراء وفقا للمادة 111 من قانون الجزاء التي ورد نصها بالآتي: «كل من اذاع، باحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، آراء تتضمن سخرية او تحقيرا او تصغيراً لدين او مذهب ديني، سواء كان ذلك الطعن في عقائدة او شعائره او في طقوسه او في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز 75 دينارا او باحدى هاتين العقوبتين».

واوضحت المحكمة ان التغريدة التي دونها المتهم المستأنف بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، ليست رأيا وانما هي تدوين بحسب علمه وفهمه لمعلومة تاريخية تتعلق بسيرة سيد الاولين والاخيرين قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وتتعلق بفترة صباه، وهي ان كانت تعوزها الدقة او يجانبها الصواب- عن غير قصد فهي ليست رأيا يعبر عن فكر قائلها المتهم المستأنف، وانما هي معلومة كان يعتقد المتهم المستأنف بصحتها ولم يكن موفقا في صياغتها، بالاضافة الى انها لا تتضمن تصغيرا او تحقيرا لدين لانها تتعلق بمرحلة عمرية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين قبل بعثته ونزول الوحي عليه ولا تمس اخلاقه الشخصية وهو ذو الخلق العظيم، ولا تنال من صدق رسالة وامانة التبليغ فيما اوحي اليه من ربه ولا تتعلق بنص قرآني او حديث نبوي او امر معلوم من الدين بالضرورة، ولا تعد طعنا في عقائد الدين واصوله واركانه او طعنا في شعائره وتعاليمه، وانما هي خاصة بفترة من سيرته العطرة التي نقلها لنا صحابته رضي الله عنهم لتطيب بشذاها نفوسنا، ولا يؤثر في مقام النبوة السامي رعيه للغنم قبل البعثة او اشتغاله بالتجارة لحساب ام المؤمنين خديجة رضى الله عنها، وهو ما اختلط لدى المتهم المستأنف بانه علاقة عمل وهي وكالة او مضاربة لحساب الغير، وكان هذا الخلط لما كان فيه من لحظة غضب وانفعال نتيجة استفزاز خصمه له، وما كان ليقع فيه لو كانت نفسه هادئة.

واوضحت المحكمة في حكمها انه لا يخفى على احد من ان التغريدات المتبادلة على «تويتر» تشبه الحديث المتبادل الذي لا روية فيه ولا مراجعة ولا تنقيح ولا يمكن محاسبة المغرد بذلك الموقع ككاتب صحافي في مقالة، اذ ان ظروف تدوين المقالة تتيح لكاتبها اعادة مراجعتها وتنقيحها وحذف ما لا يصلح والاضافة والتعديل فيها، وانتقاء الكلمات الاصوب والافضل، وهو ما لا يكون في التغريدات التي ترد بكلمات مختصرة ومحدودة، ومن ثم فلئن كان ما قام به المتهم المستأنف في تغريدته من عبارة صبي محلا للوم ادبي او استنكار من الرأي العام او استهجان من البعض، الا انها لا تبلغ فداحتها درجة الجرم الذي يستوجب العقاب بالحبس او الغرامة او كليهما حال اعتصامه الانكار من فجر التحقيق ونفيه ان يكون قد قصد منها الاساءة لمقام النبوة وتمسكه بانه ابتدأها بالصلاة والسلام على رسول الله.

خطأ في التعبير

واضافت: «مما ترى معه المحكمة ان ما قام به المتهم لا يعدو الا ان يكون خطأ في التعبير جاء كردة فعل لاستفزاز خصمه المدعو زجرا له، فغاب عنه ان يستعمل لفظا اقل خشونة واكثر توقيرا واحتراما، حال استشهاده بالنبي صلى الله عليه وسلم في رده عليه ويشفع له في ذلك ما ابتدأه بتغريدته من الصلاة والسلام على رسول الله، الامر الذي لا ترى معه المحكمة قيام القصد الجنائي بحق المتهم المستأنف وانتفاء اتجاه ارادته لقصد الاساء او السخرية للدين الاسلامي او المساس بالرسول صلى الله عليه وسلم، اذ ان من اللازم في اصول الاستدلال ان يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤديا الى ما رتبه عليه من نتائج من غير تعسف في الاستدلال ولا تنافر في حكم العقل والمنطق وان العبارات تفسر بمعناها اللغوي وليس بحسب مفهومها المحلي، ووفقا لمفهومها السائد وقت وقع الحدث ووفقا للغة مكان وقوعه، فضلا عن ان هناك اخطاء تقع عند كثير من الناس وهم لا يشعرون، ويكفي ما ورد عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام «رب كلمة يقولها المرء، لا يلقى لها بالا، تهوي به في جهنم سبعين خريفا».

وبينت المحكمة انها ترى ان الاتهام جاء مثقل الخطوات متقطع الانفاس مبني على الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا، يفتقد الى الجزم واليقين بقيام قصد الاساءة، وفق ما سلف بيانه وعجزت الاوراق عن تبنيه صراحة او ان تورد الدليل على توافره، الامر الذي تنتفي معه الادلة اليقينية على ادانة المتهم المستأنف وتطمئن الى صحة دفاعه بانكاره التهمة المسندة اليه واعتذاره وسحب تغريدته، الامر الذي ترى معه المحكمة طرح ادلة الثبوت التي اوردها الادعاء العام لعدم الاطمئنان اليها وتنتهي - بناء على ما تقدم- الى القضاء بالغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما اسند اليه، ولما كان الحكم المستأنف قد خالف هذا الاستنتاج فانه يتعين الغاؤه والقضاء مجددا ببراءة المتهم مما اسند اليه عملا بنص المادة 209 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.

القانون خلا من نص المساس بالرسل والأنبياء ويهدف إلى التعايش بين الجميع

لفتت المحكمة الى ان المادة 111 من قانون الجزاء قد خلت من النص على المساس بالرسول او الانبياء وهو نص لم يستهدف سوى الحث على توقير الاديان والمذاهب الدينية على اختلافها تجنبا لاسباب البغضاء والتشاحن بين طوائف المجتمع وايجاد سبل الوافق والتعايش بينها، وكذلك فان المادة 11 من القانون رقم 61 لسنة 2007 والتي تتعلق بالمرخص لهم بالبث خلت من المساس بالرسل والانبياء، وكان ما نسب للمتهم المستانفة لا يتضمن طعنا في الرسالة او التبليغ او الدين ولا يتعلق بعقائده او شعائره او طقوسه او تعاليمه، ومن ثم لا يمكن التعويل بقيام الركن المادي للجريمة المؤثمة بالمادة 111 من قانون الجزاء، فضلا عن ان الواقعة على النحو السالف بيانه لا يستوي معها القول بتوافر اركانها، اذ ان الثابت من التحقيقات وما شهد به الشاكي ان الاساءة قد وردت بتغريدته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر).