من يقتل من؟!
رخصة القتل في سورية مفتوحة للجميع، ولكن هوية القتيل وانتماءه هما المحك الذي يصنع الفارق وفقاً للموقف السياسي والميداني، سواء كان من النظام أو من القوى الأجنبية الغربية أو من روسيا التي دخلت أخيرا بقواتها إلى الأرض، والشعب السوري هو من يدفع ثمن كل ذلك.
الحرب في سورية دخلت عامها الخامس، حيث شاركت فيها الكثير من الدول الإقليمية أو العالمية وآلاف الأفراد من معظم بلدان العالم، وأخذت هذه الحرب منعطفات مختلفة على شكل المد والجزر بين الأطراف المتصارعة دون بوادر حسم في أي تجاه، بسبب توازنات القوى السياسية والميدانية على المعترك السوري نفسه، وكان الشعب السوري ولا يزال هو حطب النار الذي كلما احترق منه جزء أضيف له أجزاء أخرى من مختلف المكونات القومية والدينية والفكرية السورية وحدها، تحت عنوان رئيسي لهذه الحرب هو "قتل الشعب السوري" ولكن بالتفاصيل "مَن يقتل مَن"؟ هذا الاختلاف بدا بوضوح وبأعلى الصوت مع بدء التدخل العسكري الروسي خلال الأيام القليلة الماضية، وارتفعت صيحات الاستنكار والرفض بالتزامن مع إعلان الجهاد والتهديد بالتدخل العسكري المضاد على الأرض من كل حدب وصوب، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الهدف الرئيسي للضربات الروسية فنجده متمثلاً بالقتل، حاله حال الهدف الذي أتى من أجله آلاف المسلحين من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو الهدف نفسه الذي تشكل من أجله تحالف دولي من (60) دولة بقيادة الولايات المتحدة، وظل حتى اليوم يوجه الصواريخ والقذائف على مواقع في سورية، بل هو الهدف نفسه الذي يزوّد من أجله العديد من الدول الإقليمية وغيرها من هذه الميليشيات أو تلك بالمال والسلاح وغرف العمليات الميدانية، حتى بات في سورية أكثر من (140) فصيلا عسكريا تتناحر بينها من جهة، وتقاتل النظام الحاكم في دمشق من جهة أخرى، من أجل إقامة الدولة الإسلامية المزعومة كل حسب مزاجه!
من الواضح إذاً أن رخصة القتل مفتوحة للجميع، ولكن هوية القتيل وانتماءه هما المحك الذي يصنع الفارق وفقاً للموقف السياسي والميداني، فالروس جاؤوا لقتال "داعش" وأخبروا بذلك العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة في حين أن الأميركيين دخلوا الحرب السورية مع حلفائهم قبل سنة ونصف دون استئذان من أحد لقتال العدو نفسه، كما يزعم الجميع، والنتائج السياسية بالتأكيد تحددها الآلية الحربية، وما من شك بأن قصم العمود الفقري للأجانب في سورية سيصب في مصلحة النظام والجيش السوري، وطبيعة الحرب الروسية فاجأت الجميع ليس فقط عبر استهداف الدواعش وضربهم في أيام فحصدت منهم ما لم تحصده أكثر من عشرة آلاف طلعة جوية لستين دولة خلال أكثر من عام، إنما باستهداف لوجستيات هذه الجماعات المسلحة وطرق إمدادها ومصادر تمويلها ومنظومة اتصالاتها، فبدأ يحدث الفارق الحقيقي في موازين القوى على الأرض، وهذا بالتأكيد ما لا تقبله الحكومات التي استثمرت في الحرب السورية مئات المليارات بغية تحقيق مكاسب سياسية حقيقية في مستقبل هذه البلاد العربية، ولهذا فلا يستبعد أن تكون هناك محاولات جادة إما لإفشال المخطط الروسي أو التصادم مع الجيش الروسي عبر بوابة حلف الناتو، في حال استمرار الهجوم الروسي لفترة طويلة دونما حسم ميداني خاطف وسريع، لتعود دائرة القتل والدمار من جديد، لتلفّ الشعب السوري في جولة جديدة!