هل كان ابن سينا شريراً؟!
رحم الله محمد عابد الجابري، الذي جعلني أقف على ملامح من حياة ابن سينا، لم أكن على إلمام بها فيما طُبع في ذهني عنه، باعتباره صاحب أعظم مؤلفات الطب في التاريخ الإنساني!مع أن رواية "سمرقند" لأمين معلوف أظهرت لي جوانب أخرى عن ابن سينا... لكن الرواية شيء مختلف عن البحث الذي كتبه الجابري في كتابه "نحن والتراث".
• فالجابري يقول عن ابن سينا:- قصد ذلك أم لم يقصد فقد كان أكبر مكرس للفكر الغيبي، الظلامي، الخرافي في الإسلام!... صفحة 211.- كان ابن سينا رغم كل ما أضفى على نفسه، وما أُضفي عليه من أبهة وجلال، المدشن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط!... صفحة 141.- إن ابن سينا يبدو من هذه الناحية لا ذلك الفيلسوف الذي بلغت معه العقلانية الإسلامية أوجها -كما يُعتقد- بل ذلك الرجل الذي كرس وعمل على تكريس لا عقلانية صميمة في الفكر العربي الإسلامي!... نفس المصدر.- لقد كرس ابن سينا بفلسفته المشرقية اتجاهاً روحانياً غنوصياً، كان له أبعد الأثر في ردة الفكر العربي الإسلامي وارتداده من عقلانيته المنفتحة... إلى لا عقلانية ظلامية قاتلة!... صفحة 56.- الفلسفة المشرقية السينوية كانت إذاً فلسفة قتلت العقل، والمنطق في الوعي العربي لقرون طويلة!... صفحة 226- 227. - إن فلسفة ابن سينا هي فلسفة التحطيم الذاتي فعلاً... فلسفة عقل جعل منتهى طموحه تقديم استقالته!... صفحة 268 من كتاب "تكوين العقل العربي".- إن ابن سينا تبنى الهرمسية بكاملها، بتصوفها، وعلومها السرية السحرية... وفلسفة المشرقية تكرس اللامعقول بمختلف ألوانه وأشكاله... وهو بكل تناقضاته يسجل لحظة انفجار تناقض العقل العربي مع نفسه!... صفحة 266- 268.***• وقد تصدى إلى كل ذلك وغيره مثقف كبير هو جورج طرابيشي، الذي فتح نقاشاً موضوعياً ومهماً، فنَّد فيه معظم أطروحات الجابري في أغلب دراساته، وفيما طرحه في أغلب دراساته التي أوردها في كتبه وتناول فيها الأبعاد القومية!...ومما قاله الطرابيشي للرد على النقاط التي جئت عليها:"لعلنا لا نغالي إذا قلنا إننا نجد أنفسنا هنا أمام ما يشبه (محكمة تفتيش) تستهدف -أبلسة- ابن سينا وإدانته، بوصفه أكبر مكرس للفكر الغيبي، الظلامي، الخرافي في الإسلام!... وتماماً كما في محاكم التفتيش في القرون الوسطى".ثم ينطلق الطرابيشي في كتابه "وحدة العقل العربي الإسلامي" بالتصدي الموضوعي لأطروحات الجابري بشأن ما ذكره عن ابن سينا، فيسترسل ضارباً الأمثلة عن طبيعة الصراعات التي كانت سائدة في عصر ابن سينا، فيعرج على ما كتبه الغزالي من هجوم على الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة": ليخلص منطقياً إلى أن ابن سينا هو ابن مرحلته، ولم يكن بدعاً فيما كتبه من آراء!في خضم هذا البحث وجدتني أغوص في أفكار هذا الرجل- ابن سينا- لأكتشف أنه من أكثر الناس عشقاً للدنيا... فهو لا ينام أكثر من ساعات قليلة، ثم يعكف بعض الوقت على دراساته وبحوثه، ثم ينطلق إلى الطرب، وما يصاحب الطرب من متطلبات الحياة!